كيف تصبح خبيراً استراتيجياً ؟

عندما يزداد الفقر ويصبح مدقعا تزدهر ثلاثة مواسم، الأول هو اوراق اليانصيب لأن الارقام التي تعد بها الفقراء تسيل لعابهم ودموعهم معا، والموسم الثاني هو نشر كتب تحمل عناوين بافلوفية من طراز كيف تصبح مليونيرا في شهر او كيف تتقن اللغة الانجليزية في اسبوع ... والموسم الثالي هو الخرافة والشعوذة والعودة الى العرّافات وحثالة القهوة المتخثرة في قيعان الفناجين .

وحين تعم الحروب على اختلاف دوافعها واسلحتها وضحاياها كما يحدث في ايامنا يزدهر موسم رابع هو ما يسمى الخبراء الاستراتيجيون، والذين تستضيفهم الفضائيات بالمئات وليس بالعشرات، ولو كان لنا في العالم العربي مثل هذا العدد من الخبراء لما كان الحال على ما هو عليه لأن الله يحب ان يرى اثر نعمه على عبيده، فأين هي هذه النعمة ؟ وهل هي حقا نعمة ام نقمة؟ شأن كل ما حوّله العرب المعاصرون من ذهب الى تراب ومن نافع الى ضارّ ومن فائض الى مديونيات ونُقصان ؟ والى ان تصدر كتب جيب من طراز كيف تصبح مليونيرا لكن بعناوين جديدة منها كيف تصبح خبيرا استراتيجيا في شهر او كيف تصبح مثقفا تداعب ربطة عنقك على الشاشة خلال حرب اهلية واحدة، فان ما يحدث الان تجاوز الزبى ولم يبق كيل لم يطفح سواء كان كيل نفط او دم او دموع !
اما الوصفة النموذجية لمن يريد ان يظفر بلقب خبير استراتيجي فهي كالتالي، اولا : يجب ان يكون فد ضلل الرأي العام وأعطى آراء خاطئة خلال ثلاثة حروب على الاقل، ويجب ان يكون قد بشّر العرافين والعرب بجعل واشنطن ولاية عربية وتل ابيب مربط خيل .
ثانيا : يجب ان يتفرغ لشهر واحد على الاقل ليحفظ الكليشيهات الفضائية حيث تبدأ كل جملة بكلمة « دعني « ثم تتردد ربما عشرات المرات في الدقيقة، واخيرا يجب ان لا يفرق بين اسم الجنرال شوارتسكوف وبين نوع من الشامبو ولا بأس ان يذكر اسماء مفكرين ومؤرخين وفلاسفة لا يعرف عنهم اكثر من السطر الذي يستخدمه مستفيدا من الفاصل ومن عبارة تبقى لك نصف دقيقة .
ايها السادة من سدنة المال والفضاء ومتعهدي الحفلات التنكرية كفى استخفافا بنا وتنكيلا بموتانا واعاقة لأطفالنا !!