حكومة ... بالمقلوب !!!
حكومة الوفاق اتخذت قرارا غير مدروسا ولا يتسم بالموضوعية والحكمة ... قرارا غير قانوني ولا يستند الى شريعة المتعاقدين عندما يتخذ من الخصم بجزء من راتب الموظفين بالقطاع العام الحكومي بالمحافظات الجنوبية ... حتى حدث ما حدث من غضب واستنكار واستهجان ... في ظل دهشة واستغراب طالت الجميع .
الغضب والاستنكار لما أقدمت عليه الحكومة لأن المسألة لا تحتمل خصما لرواتب الموظفين ... ولا تحتمل تلاعبا بحياتهم وظروفهم المعيشية التي وصلت الى ادني مستوى انساني يمكن الحديث عنه ... ولأن خصم أي جزء من راتب الموظف يعني احداث خلل كبير في مسيرة حياته وظروفه المعيشية التي بالأصل فيها من الخلل الكبير وعدم الانتظام ... حتى عدم القدرة على إدارة دفة حياة الاسرة التي فيها من العاطلين أكثر من العاملين .
ان من قام باتخاذ مثل هذا القرار الطائش والمستنكر والذي اغضب الجميع ... لا يعيش حياة الموظف ... ولا يعرف الحد الأدنى من الدخل المحدود ... ولا يطلع على مستوى الغلاء ... ولا يعرف الحد الأدنى من المعلومات عن القدرة الشرائية ومستوى التراجع بها .
الدهشة والاستغراب والى حد الاستهجان والاستنكار ان موظفي السلطة الوطنية بالمحافظات الجنوبية قد اهملوا مما زاد من همومهم وتدني مستوى امالهم المعلقة وهم ينتظرون ما يسعد قلبهم ويشبع حاجاتهم ... ليجدوا من الآمال ما زاد من وهمهم وخيبة أملهم بما وصلوا اليه ... وحتى بإمكانية عودتهم الى مواقعهم ومراكز عملهم ... في ظل الموت البطيء الذي يعيشون به نتيجة حالة الجمود والإهمال مما اصابهم بأمراض وحالات يصعب التفصيل بها والتطرق لها ... مما انعكس على قدراتهم ومهاراتهم واختصاصاتهم .
قضية الموظفين بالمحافظات الجنوبية لم ولن تكون قضية راتب فقط ...لكنها مسألة اكبر واعمق واشمل وتتعدى الكثير من الحدود والهوامش ... بل انها تصل الى حد الانسان وقيمته وقدراته وظروفه المعيشية والى حد فقدانه لأثبات الذات وأداء الواجب ... وهذا ما لا يتحمله قطاع الموظفين والعاملين بالسلطة الوطنية والمستنكفين عن وظائفهم بفعل انقسام اسود .
حتى ان نظام التقاعد سواء المبكر او حتى التقاعد وفق السن القانوني فيها من العيوب والاخطاء والاضرار الكثير الكثير ... عما يفوق تصورات المنظرين والمحللين وكتاب مثل هذه القوانين من أصحاب المشورة اللذين يريدون ان يخفضوا من النفقات الجارية وزيادة حصيلة الميزانية من خلال شطب اعداد كبيرة من البشر اللذين ادوا واجبهم بأمانة وإخلاص ... ولا يحسب لهم ما قدموا ... ولكن يحسب عليهم ما يقرره أصحاب المشورة اللذين يستمرون في القبض والصرف وتعبئة جيوبهم واملاء كروشهم ... دون ادنى نظرة رحمة او ادراك للحقيقة التي يجب التمسك بها ... والموضوعية التي يجب ان يتحلوا بها .
الوظيفة العمومية والتي يطولها مثل هذه الإجراءات لتحدث مثل هذا الرد والذي يتصاعد بفعل ظلم كبير ... ومذبحة للأبرياء الصابرين المرابطين المنتظرين المتأملين ... ليأتي لهم الرد بما لا يستحقون ... وبما يتعارض مع روح التعاقد وما يجمع هذا الكم من أصحاب الوظيفة العمومية مع سلطتهم من روابط واهداف وعقيده لا تقاس بالمادة والدرجة .
لا ننكر ما يمكن ان تتعرض له السلطة الوطنية من ضغوط مالية ... لكننا بذات الوقت لا نستطيع ان نتجاهل حجم الإيرادات والمساعدات المالية التي تصل الى خزينة السلطة ... كما حجم الإيرادات التي يتم الحصول عليها نتيجة أنشطة عديده وايرادات معروفة لمدخولات يعرفها الجميع .
الحكومة تتلقى المساعدات المتفق عليها من خلال القمم العربية ... كما المساعدات من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ومن بعض المؤسسات المالية والتي لا تصل الى حد العجز عن تغطية رواتب الموظفين ... الا اذا كانت النفقات التشغيلية والجارية قد وصلت الى اعلى حدودها بفعل صرف وبدلات ونفقات واجتماعات ودرجات وظيفية لا تتناسب والقدرات والمهارات .في ظل تدني ان لم نقل غياب الميزانيات التطويرية .
الخلل بميزانية السلطة مرتبط بحجم النفقات ... وليس انخفاضا بحجم الواردات ... وهذا ما يحتاج الى مراجعه حكومية للميزانيات التي يتم صرفها للوزارات والمؤسسات وان يتم قياس حجة الإنجازات مقابل ما يتم الصرف عليها من أموال طائلة ... وصل بها الحال للمساس بقوت الأطفال والنساء .
سياسة التوظيف ... وسياسة التقاعد ... وحتى سياسة الرواتب ومجمل السياسات المالية وحجم النفقات التشغيلية كلها سياسات أصابها العطب والخلل الكبير ... مما سهل على صانعي القرار المالي المساس براتب الموظف وليس الاقتراب من ميزانية أي وزارة او نفقات أي مسؤول .
المحافظات الجنوبية ومنذ عشرة سنوات وما يزيد بما فيها من كم كبير من الموظفين الذي تقاعد منهم الكثير والباقي على الطريق دون ادنى مراجعه حكومية لتوظيف هذا الكم الكبير من الأجيال الشابة والتي استثمرنا فيها حياتنا وأموالنا ومدخراتنا لأجل ان يتعلموا ويحصلوا على شهاداتهم العلمية وهم دون عمل ويجلسون بمنازلهم ولا يجدون قوت يومهم لأن حكومتهم ... والمفترض انها حكومتهم ... لا تدرج مسألة العاطلين عن العمل من الخريجين في جدول اعمالها ... بل تضع في جدول اعمالها ما يمكن ان يشطب من اعداد الموظفين الحاليين وما يمكن ان يخفض او يقلص من رواتب الموظفين الحاليين .
أي اننا اصبحنا بالمحافظات الجنوبية ومن خلالنا فقط يمكن ان توفر الميزانية نفقاتها ... وان تخفض من نسبة عجزها ...وان تحل من مشاكلها ... وان توفر من الموارد المالية ما يشبع أصحاب النفقات والرحلات والمؤتمرات .
ظلم كبير ... وتجاوز خطير ولا نعتقد ان الرئيس محمود عباس يمكن ان يقبل بمثل هذا التجاوز الحكومي ... كما ان حركة فتح وقدرتها والتصاقها بنبض الجماهير قادرة بما لها من مكانة ان توقف مثل هذه المذبحة التي تطال لقمة عيش الالاف .
ان موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية بكل كبرياء وكرامه ... لن يكونوا امام لقمة عيشهم مهانة بيد أحد ... بل سيبقون بكرامتهم وعزتهم وانفهم وكبرياءهم ... لأنهم بحقيقتهم وبما هم عليه أكبر من كل الكلام .
الكاتب / وفيق زنداح