الغاية من رسائل الدكتوراه


قد يظنّ بعض النّاس أن الهدف من رسائل الدكتوراه هو إثبات قدرة الطالب على إجراء بحث علمي ناجح ملتزم بقواعد البحث العلمي ومناهجه، وفي رأيي أنّ هذا الهدف ينبغي أن لا يكون وارداً في هذه المرحلة من مراحل التعليم العالي، لأنّه يفترض في الطالب أن يتعلّم أصول كتابة البحث العلمي في المرحلة الجامعية الأولى (البكالوريوس) وأن يطبّقها في مرحلة الدراسة الجامعية الثانية (الماجستير)، أمّا في مرحلة الدراسة الجامعية الثالثة (الدكتوراه) فإنّ إعداد الرسالة ينبغي أن يمثل كشفاً علميّاً جديداً ينسب لمعدّ الرسالة ويُعزى إليه، ولذلك سميّت الرسالة (أطروحة) لأنّها تشتمل على رؤية فكرية أو معرفية جديدة خاصّة بالباحث، وتكون لديه معزّزات وشواهد وأدلّه على صحة هذا الطرح الجديد أو الأطروحة، وإن لم تكن هذه الأطروحة جديدة لم يُسْبق الباحث إليها فإنّها تصبح ليست ذات قيمة أو جدوى، لأنّ أطروحة الشخص الباحث تعني رؤيته الخاصّة وفلسفته إزاء مسألة معرفية محدّدة، ولذلك أطلق عليها في الجامعات العالمية (دكتوراه الفلسفة) مهما كان التخصّص الذي تنتمي إليه، لأنّها العمل الذي يتضمن فلسفة الباحث ورؤيته إزاء قضية معرفية في أي مجال من المجالات.


وما دامت رسائل الدكتوراه لا تقدّم إلاّ الجديد، فهي بالضرورة تمثّل رافعة مهمة وأساسية من روافع التطوّر وروافده في أيّ مجتمع من المجتمعات.

وما دامت جامعاتنا الأردنيّة نشيطة في فتح برامج الدكتوراه ومنح درجات الدكتوراه، فإنّ ذلك يعني أنّ الأعداد الكبيرة من رسائل الدكتوراه التي تناقش وتجاز في هذه الجامعات تسهم إسهاماً فاعلاً في التنمية الوطنية وفي خطط البناء والتطوّر في المجتمع الأردنيّ وفي وضع إجابات وحلولٍ للتحديات التي تواجه هذا المجتمع في سائر المجالات!!

وبناء على ذلك، فإنني أطرح سؤالين كبيرين: أولهما: إلى أيّ مدى حققت رسائل الدكتوراه التي أجيزت في جامعاتنا الأردنيّة عناصر الجدّة والأصالة وتمثيل الرؤية أو الفلسفة الخاصّة بالباحث إزاء موضوع رسالته؟ والسؤال الثاني: هل حقّاً أسهمت رسائل الدكتوراه التي نوقشت وأجيزت في الجامعات الأردنيّة في حركة التنمية والبناء والتطوّر؟

ولمعرفة الإجابة عن هذين السؤالين نطرح تساؤلاً مهمّاً آخر: هل تستفيد الوزارات والمؤسسات والشركات وواضعو السياسات التنموية في مختلف مجالات التنمية، من تلك الرسائل الجامعية أو تأخذ بتوصياتها؟!

لن أجيب عن هذه الأسئلة والتساؤلات بل أتركها لطلبة الدكتوراه والأساتذة المشرفين على رسائلهم وللإدارات الجامعية وللمؤسسات الوطنية لتأمّل هذه الأسئلة، وتوجيه السياسات التعليمية بناءً على النتائج المستخلصة، وبما يصبّ في مصلحة الوطن ومتطلبات التنمية.