الذي سرق البردعة

وأخيرا تم إلقاء القبض على المجرم الذي عاث فسادا ونهب أموال البلد، وبذلك ستكون الأمور ممتازة، فقد انتصرنا وقضينا على الفساد أخيرا. ومنذ الأمس والبشرى تزف على مختلف وسائل الاتصال الاجتماعي والإعلامي والصحفي، وقد نشرت الصحف اليومية الخبر على صدر صفحاتها الأولى وأسهبت بالتفاصيل عن إلقاء القبض على موظف يعمل مقدرا بدائرة ضريبة الدخل والمبيعات متلبسا بتلقي رشوة، وفي التفاصيل أن المداهمة تمت بنصب كمين للموظف بالتعاون مع احد المراجعين للدائرة، وعليه يكون لهيئة مكافحة الفساد الفضل العظيم ويمكنها تلقي التهاني أيضا.

ليس من شك أن الموظف أخطأ وما كان عليه أن يتورط مهما غلبته الحاجة، وعلم الاجتماع اهتم دائما بالبحث عن الأسباب التي تقود الى مختلف أنواع الجرائم بغية معالجتها أكثر من اهتمامه بالمجرم حتى وإن قبض عليه طالما أن هناك من سيكرر نفس الجريمة، وفي حالة موظف دائرة الضريبة ينبغي أيضا دراسة الأسباب الدافعة للاستعداد لتلقي الرشوة كونه ليس الأول ولن يكون الأخير.
كتبت منذ سنوات عن المقدرين في الدائرة بعد سماع شكاوى وفعلا أحدهم أثناء مراجعة والسؤال عن صديق قال لي انه موقوف بعد كمين رشوة، وأسهب الرجل في الشكوى وحال المقدرين بسبب تدني الرواتب وانعدام الحوافز بما يجعل النفوس تضعف أمام المغريات التي قد تعرض عليهم، وقال أيضا انه من السهل ضبط موظف أو أكثر لكن ماذا عن الذي يمكنهم أن ينجوا بفعلتهم؟ وكم يخسّرون الخزينة مثل هؤلاء باعتبار وجودهم فرضا وليس فعلا.
في واقع الحال فإن إلقاء القبض على موظف متلبسا لن يحدث فرقا في حجم الفساد المفروض مكافحته، فالذين نهبوا البلد حد وصول مديونيتها الخارجية الى 26 مليارا هم من أسست من اجلهم هيئة المكافحة، وينبغي نصب الكمائن لهم للقبض عليهم واستعادة ما نهبوه، أما الموظف الصغير فيكفيه التحويل للمحكمة المختصة وليس إعلان النصر والبطولة عليه، وينطبق هنا المثل الشعبي «اللي ما بقدر على الحمار بعض البردعة».