القمة العربية في مرآة الفوضى العربية


 

 

لم يكن متوقعاً للقمة العربية أن تخرج بنتائج أكثر إيجابية مما خرجت به. إذا كان مقياس المحاسبة انطلاقاً من سؤال: هل كانت القمة في مستوى التحديات التي يواجهها العالم العربي بعد انفجار مجتمعاته وغرقه في بحور من الفوضى والحروب الأهلية الدامية، فأتت تضع حداً لها، فإن الجواب بالتأكيد سلبي جداً. فالتطورات العربية المتفجرة تفيض عن قدرة الأنظمة العربية على وقف هذا الانهيار البنيوي الزاحف.

 

 

لكن باستخدام مقاييس أخرى، يمكن، بقراءة موضوعية للقمة، تلمّس جوانب إيجابية الى حد ما. كانت القمم العربية السابقة، قبل الانهيارات المتتالية، تشكل مناسبة لاستعادة التضامن العربي، ولتأمين حد أدنى من التنسيق بين السياسات العربية الخارجية منها خصوصاً، تجاه القضايا الساخنة. تراجع البند التضامني تباعاً، عاماً بعد عام، بعضه لأسباب تتصل بموقع كل دولة وحجم الخلافات البينية العربية، وبعضه الآخر ناجم عن تقلص الاستقلالية في السياسة لمعظم الدول العربية، وتحوّل الخارج عنصراً مقرراً في السياسات العامة لهذه الدول. إن مجرد التقاء هذا العدد من الملوك والرؤساء في القمة، هو نقطة إيجابية في الشكل. مما يعني أن انعقاد القمة العربية سنوياً يظل مسألة مطلوبة لأنها مناسبة لإعادة وضع المعضلات العربية على بساط البحث.

 

 

في المقابل، كانت القمم العربية منذ ستينات وسبعينات القرن الماضي تتركز على موضوع أساسي هو القضية الفلسطينية والصراع العربي– الاسرائيلي. خلال السنوات الماضية، خصوصاً مع اندلاع الفوضى العربية والحروب الأهلية وصعود بنى الطوائف، تراجع دور القضية الفلسطيينة في شكل واضح، حتى أن كثيراً من النخب العربية اعتبرت أن هذا الموضوع بات من التاريخ، ولم يعد لفلسطين موقع في السياسات العربية. عندما تعود القمة العربية الى استحضار القضية الفلسطينية، فإنها تعود الى القضية التي توحد العرب حولها، بوصفها تتويجاً لعروبتهم، والرافعة التاريخية في مواجهة المشروع الصهيوني الأمبريالي في المنطقة العربية. إن استعادة هذه القضية ظلت مربوطة بحدود مشروع التسوية الذي طرحته القمة العربية عام 2002، وهو أمر يعكس أصلاً واقع العرب وتحولهم الى السعي لتسوية سلمية للصراع مع إسرائيل، لا تزال الدولة العبرية رافضة لتحققه.

 

 

إن استعادة القضية الفلسطينية قضية مركزية هو أبرز إيجابيات القمة. في عالم عربي منفجر، اندلعت فيه صراعات الطوائف والمذاهب، وافتقدت الشعوب هويتها العربية والوطنية لمصلحة هويات دينية، تقوم وظيفتها الأساسية في تمزيق النسيج الاجتماعي العربي، وتؤبّد الحروب الأهلية بين مكوناته الاجتماعية، في هذا العالم، تبقى القضية الفلسطينية عصية على التطييف والتمذهب، وتبقى عنواناً لعروبة جامعة. لم تكف أنظمة عربية وغير عربية عن العمل الدؤوب لتحويل القضية الفلسطينية قضية دينية وطوائفية، وجرى اللعب على الوحدة الوطنية الفلسطينية عبر خلق تنظيمات ذات طابع مذهبي على غرار حركة «حماس»، ساهمت إيران وسورية وإسرائيل في تقويتها. كما منعتها من تحقيق المصالحة الوطنية بين مكونات الشعب الفلسطيني. لم تنج القضية من جراحات أصابتها، لكنها ظلت صامدة في وجه المصادرة الخارجية.

 

 

لعل توقف القمة العربية أمام بعض السياسات الإقليمية الممعنة في التلاعب بالأقاليم العربية، يدخل في خانة الإيجابيات ولو المحدودة. يذكر في هذا المجال أن الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة، عبر التدخلات العسكرية المباشرة في عدد من الدول، وإدارتها حروباً مذهبية، تؤجج الصراعات بين البنى الطائفية الموجودة أصلاً. فاق التدخل الإيراني كل توقع، وهو يشكل اليوم خطراً حقيقياً على بعض البلدان العربية لجهة تقسيمها وتفتيت نسيجها الاجتماعي من خلال اللعب على الوتر الطائفي واستعادة رموز الحروب التي تعود الى قرون خلت بين العرب والفرس. لم يكن للقمة أن تخرج بأكثر من التوصيات التي خرجت بها تجاه الموقع الإيراني، بالنظر الى الخلافات العربية– العربية حول دور إيران في المنطقة.

 

 

تنعقد القمة فيما تعيش سورية أعلى ذرى المأساة التي تضربها منذ سبع سنين. لم تكن القمة على مستوى التصدي لهذه المأساة ووضع حد لها. ليس في الأمر غرابة، فسورية وأزمتها خير معبّر عن حال العالم العربي وخلافاته وفوضاه التي انعكست في القمة. في الموضوع السوري، تجلى العجز العربي في شكل فاضح، ولم تخفف من وطأته محاولة القادة العرب تحقيق إيجابيات في مواضيع أخرى.

 

 

يبقى أخير، أن إحدى السلبيات الكبرى في الوضع العربي هي تراجع موقع مصر وانحسار دورها في التأثير داخل المنطقة وخارجها. كانت مصر دوماً محور السياسة العربية، في صعودها وتراجعها. تشهد مصر اليوم أعلى درجات هذا التراجع المتصاعد منذ عقود. لا تعوّض أي دولة عربية موقع مصر، ولعل ذلك يشكل واحداً من تراجع دور العالم العربي، داخلياً وخارجياً.

 

 

 

 

 

 

 

 

* كاتب لبناني

 

 

للكاتبTags not available