«ريما خلف» كل الاحترام.. ولكن

وكأن هناك حاجة إلى أدلة تثبت بأن إسرائيل تمارس الفصل العنصري «الابرتهايد» ضد الفلسطينيين، ولا شك أن الدكتورة «ريما خلف» كانت على حق في تقريرها الصادر عن اللجنة الاجتماعية-الاقتصادية لغرب آسيا في الأمم المتحدة، والذي جاء فيه أن إسرائيل أسست نظاما عنصرياً للسيطرة على الشعب الفلسطيني، إلا أننا بحاجة إلى مواجهة ومعاقبة هذه السياسة العنصرية، فعشرات القوانين التي شرعتها إسرائيل ضد المواطنين العرب داخل الخط الأخضر عنصرية، وعشرات أخرى من الأوامر العسكرية التي يصدرها الحكام العسكريون في الأراضي المحتلة عنصرية، من نهب لأراضي الفلسطينيين، وإقامة المستوطنات، وسياسة التهويد، والممارسات القمعية، حتى أن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة يخضعون للمحاكم العسكرية، بينما المحتلين من المستوطنين يحاكمون- إذا ما جرى محاكمتهم- في محاكم مدنية، كل ذلك يندرج ضمن جرائم الحرب، وكل ما تقوم به إسرائيل في الضفة الغربية، يتعارض مع القانون الدولي، فإسرائيل بعنصريتها تحاول فرض سيطرتها على الشعب الفلسطيني، فقانون العودة الإسرائيلي يعطي الحق لأي يهودي في العالم بالعودة إلى فلسطين، وهذا القانون يُحرّم مثل هذا الحق على الفلسطينيين أهل البلاد، وهذه قمة العنصرية.


كثيرون من الكتاب الإسرائيليين ينتقدون الحكومة الإسرائيلية ويتهمونها بالتمييز العنصري ضد الفلسطينيين، فيما تتهم إسرائيل كل من يوجه لها الانتقادات ويتهمها بـ «الابرتهايد» تتهمه باللاسامية، حتى أن كاتبة التقرير مدار المقال «ريما خلف» رئيسة اللجنة، اتهمتها باللاسامية المناوئة لإسرائيل، بينما استند التقرير إلى الوقائع والتشريعات الإسرائيلية العنصرية، والممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، فإسرائيل تحاول الادعاء ،وتسويق أنظمتها، بالديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فديمقراطيتها تنحصر باليهود، أما فلسطينيو الداخل فتتعامل معهم بنظام الفصل العنصري، الفلسطينيون في الضفة وغزة أيضا يخضعون للاحتلال.

لقد جاء في رسالة «ريما خلف» الموجهة للأمين العام للأمم المتحدة «انطونيو غوتيريش»: «بعد أن أصدرت تعليماتكم بسحب التقرير الدولي، فإنه ليس خافياً ما تتعرض له الأمم المتحدة من ضغوط وتهديدات على يد دول من ذوات السيطرة والنفوذ، بسبب إصدار تقرير «الاسكوا» المتعلق بالممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني، ومسألة «الابرتهايد»، ولا يسعني إلا أن أؤكد على إصراري على استنتاج «الاسكوا»، بأن إسرائيل اسست نظام فصل عنصري «ابرتهايد» يهدف إلى تسليط جماعة عرقية على أخرى، وعليه وبعد إمعان النظر في الأمر، أدركت أن لا خيار لي، وأنا لا أستطيع سحب التقرير، وأدركت أن التعليمات الواضحة للأمين العام للأمم المتحدة لا بد من أن تنفذ، ولذلك فإن هذه العقدة لا تحل، إلا بأن أتنحى جانباً، وأترك لغيري أن يقوم بما يمنعني ضميري من القيام به، وبناء عليه أقدم استقالتي من الأمم المتحدة».

كل الاحترام والتقدير لـ «ريما خلف»، ولكن من وجهة نظري تسرعت في الاستقالة، في أعقاب الضغوط الإسرائيلية والأميركية، وكون «غوتيريش» متحيزاً لإسرائيل ولخدمة مصالحه الشخصية، فبقاؤها في منصبها سيكون شوكة في حلق المعارضين لتقريرها، وهناك من يقول بأن عدم استقالتها، ستدفعهم للعمل على إقالتها، وليكن ذلك، فهم سيتعرون أكثر أمام العالم، فاستقالتها أدت إلى فرحة وارتياح لدى إسرائيل وأعداء الشعب الفلسطيني.

لا غرابة في سياسة إسرائيل العنصرية، التي طردت شعبا لتجلس مكانه، وأن من أهم مبادئ الحركة الصهيونية، الاستيطان ونهب الأراضي الفلسطينية، وتهجير يهود العالم إلى فلسطين، وتوطينهم على أراضي الفلسطينيين، ودليل آخر على عنصرية إسرائيل والحركة الصهيونية، أنها تحتفظ بـ 93% من مساحة أراضي فلسطين وتملّكها لليهود، وتحظر استخدامها قانونياً أو تمليكها لغير اليهود، وابقت 7% من الأرض لأصحابها الفلسطينيين.