«نهاية» درع الفرات: الغزو مُستمِر والفشل.. «موصوف»!

لم يُغيِّر الاعلان التركي «المفاجئ» عن «إنتهاء» عملية غزو الشمال السوري المسماة «درع الفرات», كثيراً في مشهد الاوضاع في المنطقة الحدودية بين البلدين، والتي أخذت طابعاً مختلفاً منذ الرابع والعشرين من آب الماضي, عندما دفع اردوغان جحافل جيشه تتقدمه مرتزقة تم تجميعهم من شراذم المجموعات الارهابية التي تمارس نشاطها في بلاد الشام, برعاية وتدريب وتمويل تركي وبعض عربي. وقيل يومذاك ان «العملية» لن تنتهي «إلاّ» في منبج ليبدأ بعدها تحرير الرقة.


كل ذلك بالطبع بات وراءنا، واضطر الغزاة الى «لَحْسِ» تبجحاتهم، وما نحن عليه الان، لم يكن قد استُكمِل يوم الغزو.. إذ ان حلب تحررت واستعادت وحدتها, والاوضاع في الشمال السوري بدأت تستعيد يومياتها العادية المعروفة قبل غزوة التتار الجدد, الذين استباحوا بلاد الشام منذ ستة اعوام, وأحفاد العثمانيين والسلاجقة باتوا اسرى مدينة «الباب» التي تسللّوا اليها في غفلة من «النواطير» وفي خرق لتفاهمات غير مكتوبة، لكنهم تلقّوا صفعة «مزدوجة». واحدة تمثّلَت في عدد كبير من قتلى الجيش التركي وصل عدد امواته الى ما يقارب ثمانين جندياً مرة واحدة، والاخرى في انه حيل بينهم وبين استمرار اندفاعتهم, نحو بلدة عفرين (في الطريق الى منبج).

هناك.. انهارت «خطط» اردوغان واركان جيشه, الذي عمل على «إخصائه» بكل ما وسعت يداه، سجناً وتنكيلاً وإحالات بالجملة على التقاعد وإمعاناً في تفريغه من كوادره وخبرائه، بات يرى في كل من يرتدي البزة العسكرية انقلابياً مُحتمَلاً، حتى اضطر لدفعه الى مغامرة زعَمَ انها محسوبة, باتجاه الاراضي السورية. وها هو يدفع ثمنها عبر السؤال الذي ما فتئ قادة جيشه وجنوده يسألونه: ماذا نفعل في سوريا؟ بعد ان وُضِعت لنا «فيتوات» سورية، روسية واميركية تقول لها: قفوا.. ممنوع التقدّم بِاتجاه عفرين ومنبج؟ أما اوهام المشاركة في تحرير الرقة (وقبلها الموصل) فلم تكن سوى أضغاث احلام وتهيؤات باتت من الماضي ، حتى لو قدّم اردوغان «خططاً» مختلفة (هل تذكرون؟) لإغراء الاميركان, سواء كانوا من اتباع اوباما أم الذين جاؤوا في «حافلة» ترامب الى البيت الابيض؟ ناهيك عن انهيار استراتيجية اردوغان في ممارسة نوع جديد من «العربدة» التي تستبطن تهديداً، لا يقوى بطبيعة الحال ترجمته على ارض الواقع عندما دعا ادارة ترامب الى «الإختيار» بينه وبين «ارهابيي» قوات سوريا الديمقراطية, للمشاركة في معركة تحرير الرقة. فجاء الجواب الاميركي (دع عنك الروسي والسوري) سريعاً لا يحتمل اي تفسير آخر.. دفع الاميركيون (وهم غُزاة ايضاً ويمارسون عربدتهم وتدخلهم العسكري السافر, دون تنسيق او إذن مِن الحكومة السورية الشرعية) بآلياتهم وبعض جنود المارينز تُرفرف عليها اعلام اميركية (غاية في الضخامة) الى المناطق الفاصلة(حول عِفرين) في الوقت ذاته الذي يقف فيه جنود الجيش العربي السوري في مواجهة جيش الغزو التركي, في استعداد للمواجهة إذا ما اراد العثمانيون الجدد «تجريب» حظهم مرة اخرى (طبعاً مع ابتلاع اردوغان المرارة عندما سقطت «تهديداته» بالمشاركة في معركة تحرير الموصل... رغماً عن الجميع).

الى اين من هنا؟

الاعلان المفاجئ بانتهاء عملية درع الفرات, هو اعتراف مُتأخر بالفشل، وهذا الاعلان لا يعني بالطبع انسحاب الغزاة الاتراك, حتى لو تم تغليفها بكلام لا قيمة له في سوق السياسة, كالذي أورده الناطق باسم الجيش الغازي في بيانه «.. أنشِطتنا مُستمرة، لحاجات حماية امننا القومي، بهدف منع كيانات غير مرغوب فيها (يقصد كيانات كردية بالطبع) والسماح لإخواننا السوريين بالعودة الى مناطقهم, وضمان استقرار المنطقة وأمنها».

كلام لا يخفي ان الاعلان عن انتهاء درع الفرات...جاء اضطرارياً, فـ»خطر» قيام الكانتونات غير المرغوب فيها ما يزال قائماً, ورهان اميركا (كما روسيا) على قوات سوريا الديمقراطية في معركة تحرير الرقة، وضَعَ حداً لآمال اردوغان, بالذهاب الى تلك المدينة السورية المُحتلَّة للاحتفال بالنصر، فضلاً عن ان الرسالة واضحة من موسكو وواشنطن,أن انقرة غير مرغوب بمشاركتها, وأنهما (في قراءة اخرى) لم يعودا يثقان بها او يُعوّلان على صدقيتها (طبعاً لكل منهما اسبابه المُعلنة والخافية).

هنا والان... تتبدى الحقيقة التركية»عارية», بعيداً عن تجميل المُعجَبين بإردوغان وتجربته المتصدعة والآيلة للسقوط, وفي الوقت ذاته الكيفية التي تبدو عليها محاولاته التي لم تتوقف, كي يقول للعالم: «إن الأمر.. لي» في سوريا والمنطقة العربية, بدءاً من تونس وليبيا مروراً بمصر والعراق، وأنها»كُلها» من إرث اجدادي, ولهذا سأكون صاحب القرار، فإذا بصاحبنا يستيقظ من كابوس مخيف, انهى اوهامه وأوقفه أمام واقع مُغايِر, يكاد لا يستطيع مواجهته، رغم كل رطانته وعربدته, تجاه اوروبا والقاهرة ودمشق وبغداد ومَن.. تَيَسّر.

دخول الغزاة الاتراك الى جرابلس (بلا معركة حقيقية، بل تَسَلُّم وتسليم بين داعش (صنيعة انقرة.. ومرعيتها) كذلك الى دابق والراعي ثم الباب، توقَّف نهائياً. ومسألة تقدُمِه الى اي منطقة او حتى تهديده بانه «مُستعَدٌ» لتجريد حملة جديدة (كما هدّد إعلان.. انتهاء درع الفرات) لا تعدو كونها مجرد أُمنِية, او محاولة لتطمين الأنصار والمحازبين الذين يُقلقُهم مستقبل استفتاء 16 نيسان الجاري, الذي سيُكرّس حكم الفرد الواحد في تركيا, إذا ما قالت أغلبية الاتراك... «نعم» للتعديلات الدستورية.

لهذا جاء فشل درع الفرات موصوفاً ومُدوّياً.. لكن الغزاة موجودون على الاراضي السورية, ولا بد سيُضطّرون للجلاء...آجلاً أم عاجلاً.