«بلاي بوي» هدية ميركل لترامب… وحذاء للرؤوس المطأطئة!

صحيح، (إن لم تستح فافعل ما شئت)، خاصة في زمن «ما يختشيش»، ويفرط في شُعبة من شُعب الجنة هي الحياء، وهو يروج لثقافة الانحلال ويسوق للإباحية كأسلوب رخيص للحرية والغواية، حين يدشن انتخاب أحد زبائن مجلة «بلاي بوي» رئيسا أرعنا لهذا الكوكب الانفلاتي، فهل بعد هذا أحدثك أيها المشاهد عن الحشمة والشرف والعفة بين برج القمار ومجرة ترامب الإباحية، أم عن فنون «التارالالي» بين جنكيز خان وميركل و«الإندبندنت»؟

بلاي بوي دليل سياسي

إن عدت إلى «الإندبندنت» البريطانية في عددها الصادر يوم 20 مارس/آذار، يفاجئك مانشيتها العريض، الذي عنونت به خبرها الصادم نقلا عن كبار المسؤولين الألمان، قبيل لقاء مستشارتهم بالرئيس الأمريكي، حيث اعترفوا بأن أحد أهم التحضيرات التي حرصت أنغيلا ميركل على القيام بها لدراسة شخصية ترامب والإحاطة بجوانب وأبعاد التعاطي معه، كانت قراءتها لمجلة «بلاي بوي» المفضلة لديه، فإن تتبعت الخبر حتى نهاية تعليقاته تصل إلى خانة لينكات منها ألبوم صور الكتروني لترامب وابنته إيفانكا، في 25 لقطة تحت عنوان رئيسي أكبر: «صور لإيفانكا وأبيها لن تشعرك بالرضى والراحة»، ويختلف الوصف والتعليق على كل صورة حسب غرابتها، وما توحي به من شبهات تثير الاشمئزاز إلى درجة عنونة إحداها بعبارة: «الأب المقرف»، وإرفاق بعضها بتصريحات شاذة على لسان ترامب مثل: «من المؤسف أن تكون مثيرا جنسيا لابنتك أكثر من زوجتك» أو «لو لم تكن إيفانكا ابنتي لكانت عشيقتي»، وهو ما دفع الإعلام الإمريكي لتناول الموضوع تفصيليا بحث نشرته مجلة «أتلانتيك» في حزيران/يونيو العام الفائت بعنوان عقل ترامب، استعرضت فيه آراء المحللين النفسيين وأساتذة علم النفس مثل «هاينز كوت»، الذي شك بوجود علاقة مخيفة بين ترامب وأبيه دفعت ترامب لإنكار نسب أحد أطفاله إليه في مرحلة مبكرة من شبابه، وبعد هذا كله، لك أن تتخيل لو كان هرقل أو جنكيز خان أو هتلر أو ستالين أو صلاح الدين الأيوبي أو الإسكندر المقدوني معاصرين لترامب، هل كانوا فعلا يتحضرون للقائه على طريقة ميركل؟ ولكن، ألم يكن هناك «بلاي بوي» في عهد الإسكندر المقدوني؟!
بلى، كان، ولكن الفحش حين يمتهن الغواية يتحول إلى جريمة، وجناية احتقار للحرية وتدنيس للعلاقات البشرية، ولو أنك عدت للوحة جوليو رومانيو، التي يغري فيها الإله زيوس أوليمبياس أم الإسكندر لن تحس بأي خدش لكرامة الإغراء، على عكس ما ينتابك وأنت تتصفح أعداد المجلة إياها أو ألبوم الصور العائلي للرئيس!
ولأن الفارق الثقافي بين الفحش والغواية كبير فإن مستوى الأداء السياسي والعاطفي يختلف لا شك، فمن تراه في تلفزيون الواقع يتحرش بالنساء ويحتقرهن، لا يمكن أن يرتقي لعظمة المقدوني، الذي اتخذ من معبد الحوريات بنات إله البحار، مدرسة يتلقى بها العلم على يد المعلم والفيلسوف التاريخي أرسطو.
فكر قليلا أيها المشاهد، هناك حكمة لكل هذا الانحدار الأخلاقي في زمن السقوط، ولا بد أن الحكمة الأكثر تجليا تكمن بالعثور على قائد مناسب يليق به أن يتزعم زمنه!

الإلحاد حرية في «فلك الممنوع»

تناول برنامج «في فلك الممنوع»، الذي تبثه قناة «فرانس 24»، مشكلة الملحدين في العالم العربي، مستعرضا آراء رجال الدين والشارع العربي، الذي لم يتقبل – في أغلبه – فكرة عدم الاعتراف بوجود الخالق مصرا على الردع!
النقاش – كالعادة – دار في الفلك ذاته من الطرح الإشكالي، والحوار الجدلي، الذي لم تسعفه مدة البرنامج – وكالعادة أيضا – على الإحاطة بتفاصيل حساسة وعميقة قد لا يستوعبها فضاء عربي يشتغل بتقنية «الحمر المستنفرة»، التي تتمتع بخاصية فائقة التشغيل تعمل حتى في الظلام كالأشعة تحت الحمراء، لتتجسس على النوايا في الصدور فترتعد نفورا كمن يفر من قسورة، وهو رد فعل طبيعي في مجتمع لم يقرأ أغلبه دينه ولم يتعرف إليه إلا عن طريق (السراي الداعشي) الذي يتواطأ فيه الحاكم مع رجل الدين في المجتمعات الإقطاعية، ولكن هل يتقبل الإسلام الملحد كمواطن حر أم أنه يجرمه كمتهم يستحق إنزال العقوبة به ليكون عبرة لغيره؟
أن يعتمد الإعلام مبدأ الصدمة الإيجابية ليخلخل منظومة الوعي الموروث في المجتمع العربي، فهذا يعني أنه يسبق الزمن فيتقدم إلى الوراء، لأن برنامج «في فلك الممنوع» كشف على لسان أحد شيوخ الأزهر أن الإسلام كدين يعتبر الملحد «كافرا»، ولكن الإسلام كمجتمع يعترف بالملحد كإنسان له الحق بممارسة الحياة فيه مثله مثل أي مسلم، ويكفل له حريته وأمنه فلا ينبذه ولا يعتدي عليه أو يعاقبه، تماما كما حدث أيام النبي الكريم.
حسنا إذن، في هذا الإطار، لا يحق لأي مجتمع أن يسائل الآخرين أو يحاكمهم على معتقداتهم، وخاصة مجتمعنا الإسلامي، طالما أنه لم يستطع أن يجيب حتى الآن عن السؤال الأهم: هل هو فعلا مجتمع إسلامي؟
هناك ذهنية عمياء تحكمنا فتجعل دفاعنا عن ديننا إدانة له، لأننا تعاملنا معه كقماشة قابلة للتفصيل على مقاس أمزجتنا، وهذه قدرة استثنائية على القولبة لا تصنف إبداعا بقدر ما هي حرفة تماما كالتزوير والتهريب والقرصنة والتدبير بحيث لا يتجاوز مهارة الإسكافي الذي (يطلع من الحافي نعال)!

العيب ليس في الحذاء

تأرجحت سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة نيكي هيلي بين السفسطة والديماغوجيا المشبعة بالتملق والغش وإلهاب عواطف الصهاينة والمتصهينيين، خلال مؤتمر اللجنة الأمريكية الإسرائيلية السنوي «إيباك»، وهي تلوح بفردة الحذاء وتطقطق بالأخرى، وتتحلف لكل من يناهض دولة الاحتلال، لتذكرك بجنون الماكارثية الغوغائية، التي تصدى لها الصحافي إدوارد مارو، منحازا للدستور والحريات الأمريكية على حساب المصالح والأخطار الخارجية، وبفضل شجاعته وصل مكارثي إلى المحكمة مثقلا بتهم التزوير والفساد لينتهي مدمنا للمخدرات، ثم جثة يتغلغل السم في عروقها.
لا يمكن لهذا النوع من الشخصيات سوى أن يكون مختل الضمير غير متوازن نفسيا ولا أخلاقيا ولا فكريا، بالتالي غير منتم وطنيا، ولا إنسانيا، وما الأدوات التي يسعى هؤلاء لاستخدامها في إرهابهم سوى دليل ثبوتي على تدني مستواهم الثقافي والعقلي والسلوكي.
يبرهن موقف بيكي وموقف ريما خلف على أن المعركة في الأمم المتحدة أصبحت معركة مصالح وضمائر، وأن الغلبة للإعلام، الذي يوثق لك أهم لقطة للحذاء: الرؤوس المطئطئة، وهذه مهما ارتفعت لن تصل إلى مستوى ارتفاع النعل! العيب إذن ليس على الكعب العالي ولا «البابوج»… ولا الإعلام، ولا ما يحزنون، العيب فقط على من أدمنوا ممارسة رياضة الطأطأة دون خجل أمام عين الكاميرا! وسلامتكم!

كاتبة فلسطينية تقيم في لندن