نجحت القمّة.. فهل ينجح العرب؟

انعقاد القمّة العربية في الأردن يعدّ إنجازاً أردنياً وعربياً بامتياز.

لقد كان تنظيم القمّة والتحضير لها ناجحين لأبعد الحدود، وهذا إنجاز يُسجل للدولة الأردنية ومؤسساتها والعمل الجماعي لها.

لكن الإنجاز الأكبر هو الحضور المميز لقادة وزعماء الدول العربية، فهو دليل على المكانة التي يحتلها الأردن وقيادته لدى الأشقاء العرب، ودوره المركزي في جميع الملفات المطروحة على جدول أعمال القمة، والقدرة الدبلوماسية الأردنية على العمل الدؤوب قبيل انعقاد القمة وفي أثنائها.

هي كذلك، إنجاز عربي؛ لأن الاستجابة الكبيرة، أيضاً، تدل على عمق الإدراك لدى القادة العرب بأن التشرذم في العمل العربي الذي شهدناه في السنوات الماضية كانت له آثار سلبية كبيرة جداً على مصالح الدول الوطنية والمصالح القومية المشتركة. هذا الإدراك لهذه المخاطر يدل أيضاً على رغبة صادقة من القادة العرب بضرورة العودة إلى العمل العربي المشترك، وإعادة إحياء روح العمل العربي المشترك.

بالرغم من التباين في الآراء حيال القضايا الاستراتيجية التي تهدد المنظومة العربية، إلا أن هناك توافقاً على أهميتها وضرورة الولوج للعمل الجماعي لمعالجتها، والتأكيد على الثوابت العربية حيال القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية، وضرورة اتباع السُبل السلمية في حل الخلافات العربية.

الإنجاز الذي تحقق بقمة التوافق يجب أن ينظر إليه بوصفه بداية للمهمة الملقاة على عاتق القادة العرب وليس نهايتها، وإن قمة عمان في البحر الميت هي نقطة البداية التي يجب أن يتم البناء عليها.

حتى لا يضيع الإنجاز الذي تحقق بالقمة العربية والاستجابة لتطلعات الشعوب العربية، فلا بد من العمل التالي:

أولاً: الشروع بإصلاح مؤسسة الجامعة العربية، وتوفير الظروف والمصادر المالية لتمكينها من متابعة الملفات التي ناقشتها القمة والعمل على إنجازها.

ثانياً: بالرغم من الاتفاق على القضايا الأساسية التي تواجه الأمة العربية في الوقت الراهن، إلا أنه كان واضحاً التباين في وجهات النظر حول فهم هذه القضايا والسُبل التي يجب اتباعها لمعالجتها. وهنا لا بد من إجراء حوارات معمقة حول هذه القضايا وبلورة فهم مشترك يكون مرجعية لمعالجة هذه القضايا على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية.

ثالثاً: يجب على الدول العربية الالتزام بمبدأ احترام سيادة الدول الأعضاء وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهذا يتطلب بداية وقف أشكال التدخل، خصوصا الإعلامية منها، والتأكيد على الحلول السلمية للخلافات ين الدول العربية لإغلاق المجال أمام الدول الإقليمية للتدخل بالقضايا العربية الداخلية.

رابعاً: هناك حاجة لبلورة مقاربات سياسية للحل السلمي للنزاعات والأزمات التي تعصف في المنطقة كسورية وليبيا واليمن، وبالتعاون مع الدول الفاعلة بهذا المجال، والخروج بخطاب موحد للشعوب العربية أولاً وللعالم أيضاً.

خامساً: هناك ضرورة لاستعادة الدور العربي في معالجة الملفات التنموية والاقتصادية التي تواجه الدول العربية كمشكلة البطالة والفقر واللاجئين بما لا يتعارض مع مصالح الدول القطرية. وهنا قد لا يكون مبكراً الحديث عن خطة إعمار وتنمية شبيهة بخطة "مارشال" لإعادة الإعمار في العراق وسورية واليمن وليبيا، وإحداث التنمية الضرورية في الدول الأخرى، واعتبار ذلك جزءاً من منظومة الأمن القومي العربي.

سادسا: الانتباه والاهتمام باستكمال بناء الدول القُطرية، ومعالجة المشكلات التي تواجه تلك الدول، بخاصة القضايا المرتبطة بالمواطنة، والإدارة السلمية للتنوع الإثني والقومي والديني الذي شكل في الماضي مدخلاً للنزاعات والفرقة.

القمة العربية كانت ناجحة بامتياز سواء بإعادة الاعتبار للعمل العربي المشترك، أو من خلال التوافق حول الأولويات والتحديات التي تواجه العالم العربي التي حددها الملك عبدالله الثاني في افتتاحه للقمة، أو من خلال المصالحات الجانبية التي كان للأردن دور نشط في تحقيقها. والتحدي والمسؤولية هما في البناء على هذا الإنجاز، وترجمة هذه التفاهمات لخطوات عربية يشعر بنتائجها المواطن العربي. إن رئاسة الملك عبدالله الثاني لمجلس الجامعة، ستكون أحد عناصر النجاح لهذه القمة، بما عُرف عن جلالته من حكمة واعتدال وعلاقات دولية واسعة، ولكن مسؤولية ترجمة هذه القرارات هي مسؤولية جماعية.