عمر كلاب يكتب: البخيت يشكو قصور الاعلام الرسمي.. والصوت العالي كسب الجولة


كشف الرئيس ضمنا عن اسباب التريث في اتخاذ القرار او ما سماه كثيرون «البطء» الحكومي حينما قال بشيء من الغضب «ما هلكنا الا القرار السريع او اصحاب الاحلام في تنفيذ القرارات، حيث كان المسؤول يحلم ليلا فيذهب لتنفيذ حلمه على حساب الدولة».

ويعّد البطء ابرز الانتقادات الموجهة الى حكومة الدكتور معروف البخيت، من ضمن متتالية انتقادات تبدأ من غرقه بالتفاصيل مما يسمح لاعضاء فريقه «باللعب من خلف ظهره» كما قال هو ذات مرة، مرورا بانحيازه لجيل السياسة من القرن الماضي - متجاوزا من جيل الديجتال من هو حرس قديم بامتياز كما ان هناك من الحرس القديم من هو حداثي اكثر من جيل الديجتال - ونهاية بضعف ادواته الاعلامية وعدم قدرتها على تسويق بضاعة الحكومة الجيدة على حساب نقاط الضعف في فريقه.

الرئيس اعترف صراحة بالتقصير في الوصول الى الاعلام والى الناس في لقائه الاخير مع كتاب الصحف اليومية ومدراء الاعلام الرسمي وقال «اعترف بالتقصير في التواصل مع الناس والاعلام وليس لدينا فريق لتسويق منجزات الحكومة خلال هذا الوقت القصير من عمرها».

اعتراف البخيت له مسوغاته الموضوعية بعد وصوله الى الدوار الرابع في ظروف استثنائية محليا واقليميا، ورغم ذلك فانه نجح في ولوج باب الاصلاح عبر مساربه المتعددة وان كان اعمقها واكثرها تأثيرا هو الاصلاح الاداري او الهيكلي لجسم الوظيفة العامة، الذي ترهل واصابته السمنة وامراضها من ارتفاع الكوليسترول البيروقراطي وتضخم الجسم كله مضافا الى ذلك الزوائد من المؤسسات المستقلة التي نمت على حواف المؤسسات الدستورية ساحبة منها دسم القرار وتاركة لها وزر الحساب والمحاسبة القانوني والدستوري فباتت «دولة داخل الدولة» لها موازناتها وامتيازاتها، ويكفي للدلالة على ذلك ما قاله الرئيس نفسه بان مؤسسة مستقلة 67% من كادرها مدراء و 33% موظفون، وينسحب ذلك على معظم مؤسسات الدولة المستقلة بنسب متفاوتة.

غياب الفعل الاعلامي جعل من اصوات 6000 من كوادر هذه المؤسسات اعلى من اصوات 200 الف موظف على كادر الخدمة المدنية وتجاوز ايضا اصوات 5000 موظف من جسم المؤسسات نفسها استفاد من الهيكلة فخرج ابرز المسارب الاصلاحية مشوها الى الرأي العام الذي تفاجأ بالهيكلة العابرة سماء القرار دون تحضير وتهيئة قوى الدعم الاعلامي والمجتمعي وذلك كله مردود على فريق الحكومة الاعلامي.

ثاني المسارب الاصلاحية كان الاصلاح السياسي الذي قوبل منذ «الولادة» بالتشكيك في نسبه او رفض نسبه للحكومة فغادر التيار الاسلامي مقاعد لجنة الحوار، الذي كان مطلبا عاما حتى للاسلاميين، واضاعت اللجنة وقتا ليس قصيرا، قبل ان تأتي شهادة الميلاد من القصر الملكي بعد لقاء الملك اعضاء اللجنة على ايقاع احداث دوار الداخلية وشبابها.

واستكمل الملك حلقات الاصلاح بلجنة ملكية لمراجعة الدستور كان من ضمن اعضائها رئيس لجنة الحوار الوطني كإشارة الى حماية مخرجات اللجنة بتعديلات دستورية تضمن ديمومتها وتأثيرها على مجريات العملية السياسية والاصلاح المنشود.

ومن جديد فقدت الادوات الاعلامية الرسمية بوصلتها وسمحت لمن غادر اللجنة «متهما» بتعطيل الاصلاح الى محقق في مخرجات اللجنة، بل ان المشاركين في اللجنة ومخرجاتها انقلبوا عليها لركوب موجة «التحقيق والتحقق» منذ ان تسلمت الحكومة ورئيسها مخرجات اللجنة، وبات على الحكومة الدفاع عن المخرجات امام اعضاء اللجنة وامام الرأي العام، ولم تتقدم اداة اعلامية رسمية بمشروع اعلامي مع اعضاء لجنة الحوار المخالفين او المؤيدين لسبر اغوار الحوار واسباب التناقض في الموقف والقرارات، لتخسر الحكومة جولة مهمة في حرب الاصلاح وتخضع من جديد لضغط سياسي مسنود بحراك الشارع في العاصمة والمحافظات.

الحكومة ورغم حجم الضغوط الاقتصادية، احد المسارب الثلاثة للاصلاح، نجحت في كبح جماح ارتفاع الاسعار وابقت اسعار الطاقة ومشتقاتها كما هي ونجحت في تخفيف عجز الموازنة، كما انها مقدمة على حوارات مع مجلس التعاون الخليجي برؤية اقتصادية وعسكرية وامنية واجتماعية، وتعرف ان الشراكة الكاملة هي المطلوبة بوصف الاردن لسان الجزيرة البري حسب الدكتور معروف البخيت وخاصرته التي يجب ان تبقى متينة، لكن ضعف التواصل كما يقول البخيت نفسه، جعل الحكومة في خندق الدفاع حتى امام الذين استبقوا مخرجات الحوار الاقتصادي بالاستقالة، وكشفت النتائج عن عدم رفع الحكومة لاسعار المشتقات النفطية، كما جاءت اسباب الاستقالة وايضا دون مراجعة من احد الادوات الاعلامية ومؤسساتها.

المراجعة الهادئة لقرارت الحكومة خلال مئة يوم واكثر تكشف ما للحكومة وما عليها، وان برز على السطح فقط تباطؤ الحرب على الفساد وخروج السجين للعلاج والاعتداء على متظاهري مسيرة العودة وعدم خروج نتيجة واحدة من نتائج لجان التحقيق الرسمية في احداث الداخلية والعودة والزرقاء ومسوغات خروج السجين خالد شاهين رغم اعتراف الرئيس بداية بأخطاء ادارية واعدا بكشف كل التفاصيل قريبا.

واغفل كثيرون انهاء ازمة عمال المياومة واعادة الحياة لنقابة المعلمين ومشروع الهيكلة الذي سيعيد الاعتبار لوظيفة الدولة وللادارة الاردنية التي ذبحت على مسلخ الظرف الليبرالي الموحش والمتوحش.

الرئيس ورغم تسريبات تتحدث عن تعديل على حكومته او اكثر من التعديل، عليه مراجعة الملف الاعلامي أفقيا وطوليا، برامج وأدوات تنفيذ، اذا ما اراد الوصول الى صيغة عادلة بين منجز حكومته ومثالبها او النواقص التي عليه تجاوزها كي يغسل صورة انطباعية تفوقت على الصورة الذهنية للرأي العام، وما يهم الرئيس هو الصورة الذهنية التي يبنيها بالتواصل الحقيقي مع الاعلام والرأي العام لكسر الانطباع وصورته.