الحاجة إلى سياسة اقتصادية لمكافحة الكساد الاقتصادي في الأردن

يمر الاقتصاد الوطني في حالات من الركود الاقتصادي (Recession) المتسم بانخفاض الإنتاج وانخفاض التوظيف وانخفاض المبيعات وانخفاض الطلب الكلي المقرون بانخفاض الأسعار في السوق، وعادة ما يستمر الركود فترة تقارب 8 شهور والركود يختلف عن الكساد الاقتصادي (Stagnation) المتسم بانخفاض الإنتاج وانخفاض الطلب الكلي وانخفاض المبيعات وتراجع الأرباح والاستغناء عن الموظفين والاضطرار الى الإفلاس المالي وقفل الأعمال والخروج من السوق، والكساد يستمر لفترات أطول من الركود الاقتصادي قد تصل لعدة سنوات. والكساد التضخمي (Stagflation) يتصف بانخفاض النمو الاقتصادي الى أقل من 3% والمقرون بارتفاع الأسعار حيث تفقد الأسواق التجارية والصناعية القوة الشرائية بسبب عدم استقرار القرارات الحكومية بخصوص الرسوم والضرائب بكافة أنواعها.
يسود الكساد الاقتصادي في الأسواق الأردنية (Recessionn) لعدة سنوات والمقرون بارتفاع معدل البطالة الى 15.9% وهبوط التضخم (Deflation) الى أقل من 2% حيث شهد الأردن نحو سنتين من التضخم السالب الذي يدل على حالة من الركود والانكماش الاقتصادي غير المحفز لتأسيس أعمال.
النظرة الى فلسفة الضريبة في الأردن تتم عبر معيار وحيد هو ما تتركه من أثر على إيرادات الخزينة وعجزها، وهي نظرة مالية تتفرد بها وزارة المالية حيث يتم استبعاد الاقتصاد وتنافسيته والنمو والاستثمار الجديد، فكل قوانين الضرائب كانت دائما تتحرى إيرادات الخزينة من أي مصدر كان.
لم تراع القوانين الضريبية وضع القطاع الخاص وتداعيات الأزمة المالية بل على العكس أضافت ضغوطات جديدة على الاقتصاد وعلى القطاعات المختلفة ولم تحقق فوائد ملموسة في جانب عجز الموازنة، والسبب ببساطة كبر حجم نفقات الحكومة التي تتزايد سنة إثر أخرى.
تحتاج قوانين الضرائب الى دراسة تتجاوز وزارة المالية التي تهتم فقط بإيرادات المالية العامة، بينما أن دراسة كهذه يجب أن تكون مهمة مؤسسات القطاع الخاص ووزارة تتولى مهمة إدارة الاقتصاد لتحري أثر ذلك كله على الاقتصاد وعلى النمو وعلى أنشطة قطاعات التجارة والصناعة والسياحة وغيرها.
المشكلة تكمن في الثقة المفقودة في مصير استخدام عوائد الضرائب وليس المقصود هنا هو الهدر أو الفساد بل في عكس هذه العوائد على الخدمات التي يتلقاها دافع الضريبة.
إن تخفيض الرسوم الجمركية والضرائب كان لها أثر إيجابي على دول كالإمارات والسعودية وسنغافورة حيث إن تخفيض الضرائب والرسوم على مدخلات الإنتاج في الصناعة الوطنية أدى لإنتاج سلع منافسة في الأسواق المحلية والخارجية وإعطاء ثقة منافسة للمنتج المحلي.
على فريقنا الاقتصادي ألا ينساق كليا وراء وصفات صندوق النقد الدولي من خلال برنامج الإصلاح المالي الهيكلي والضريبي (Structural Adjustment Program 2016-2019) والداعية الى التقشف الاقتصادي (Austerity Measures) في الأردن؛ لأن الاقتصاد الأردني يمر في مرحلة كساد خطيرة لم يسبق لها مثيل مما أدى الى خروج عدد كبير من الشركات والمستثمرين من السوق الأردني وخسارة عدد كبير من الشركات والمستثمرين، وكيف نطالب الشباب بتأسيس شركات صغيرة ريادية والشركات القائمة تعاني من قلة الطلب والكساد في السوق الأردني.
الإجراءات التقشفية في الاقتصاد الأردني تضر أكثر ما تنفع حيث أظهرت تجارب دول العالم خلال الكساد الكبير في الثلاثينيات من القرن الماضي فشل سياسة التقشف الاقتصادي من خلال تقليل الإنفاق الحكومي وفرض الضرائب في الخروج من أزمة الكساد العالمي في الثلاثينيات من القرن الماضي فقد نادى عالم الاقتصاد جون كينز من خلال كتابه النظرية العامة في الدخل والتشغيل (General Theory of Income and Employment, 1936) بدور أكبر للحكومة في التدخل من أجل زيادة الطلب الكلي الفعال (Effective Aggregate Demand ) من خلال زيادة الإنفاق الحكومي وتقليل الضرائب لتحفيز الاقتصاد على خلق الوظائف وتحقيق التشغيل الكامل ومكافحة البطالة والكساد.
تكرر الأمر قبل الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة في العام 20088 حيث قام الرئيس الأمريكي بوش الابن بسياسة التقشف الاقتصادي ليعوض خسائر أمريكا في العراق وأفغانستان والتي كلفت الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 4 تريليونات دولار وأطلق العنان للقروض العقارية والمشتقات المالية (Derivatives) بدون ضوابط مما أدى الى انهيار البنوك والشركات بسبب تراكم الديون وعدم تحصيل مستحقاتها على الأفراد والشركات وانفجرت فقاعة أسعار العقار (Mortgage Bubble) وفشلت سياسة التقشف في إنقاذ الاقتصاد الأمريكي من أزمة الكساد التي أدت للأزمة المالية العالمية التي ما زلنا نعاني منها لغاية الآن.
لقد اتبع الرئيس اوباما سياسة كينزية خلال فترة حكمه التي دامت 88 سنوات بالتدخل الحكومي وإنقاذ الشركات والبنوك المفلسة من خلال حزمة قروض لشركات القطاع الخاص ومن ثم اتبع سياسة التسهيل الكمي (Quantitative Easy Money) بتخفيض سعر الفائدة مما أدى الى توفير السيولة في الاقتصاد الأمريكي مما زاد من الطلب الكلي في الاقتصاد الأمريكي، وحول الركود الاقتصادي الى إنعاش اقتصادي مما أدى الى زيادة وتوسع النشاط الاقتصادي في السوق الأمريكية وخلق فرص عمل جديدة ونجحت سياسة اوباما وفريقه الاقتصادي في تخفيض معدل البطالة في أمريكا من 10% أو يزيد في عام 2008م الى معدل 4.5% في العام 2016م وهو معدل يطلق عليه المعدل الطبيعي للبطالة والذي يتراوح بين 4%-6% سنويا ( Natural Rate of Unemployment).
فلنجرب سياسات اقتصاديات العرض (Supply-Side Economicss) التي نادى بها عالم الاقتصاد الأمريكي ميلتون فريدمان في الثمانينيات من القرن الماضي والقائمة على تخفيض الضرائب وزيادة عرض النقود وضخ السيولة في المشروعات الاقتصادية وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد لتحفيز الاقتصاد الوطني الذي يعاني من العبء الضريبي حيث تفترض موازنة 2017 جلب مبلغ 450 مليون دينار إضافية لخفض عجزها والمصدر الوحيد فيما يبدو هو الضرائب. والضرورة تدعو الى حفز الاستثمار وتسهيل المعيقات وهو ليس في أجندة الأردن عام 2017.
الضرائب وحدها ليست هي الحل في ظل شح المصادر لأنها قد تقود الى تراجع إيرادات الحكومة من الضرائب والرسوم نظرا لأن زيادة معدلات الضريبة تقلل من أرباح الشركات والأفراد مما يخفض من الوعاء الضريبي المفروض عليه الضريبة، حيث أدى زيادة معدلات الضريبة في العام 2010 الى خسارة وزارة المالية للإيرادات من الضرائب والرسوم طبقا لما ذكره معالي وزير المالية السابق محمد أبو حمور. كما أن زيادة الضرائب تقود الى الكساد الاقتصادي الذي نشاهده في الأردن منذ عدة سنوات بسبب تناقص الدخل المتاح للتصرف (Disposable Income) للمواطنين والشركات والذي يتم إنفاقه على الاستهلاك والاستثمار مما يقلل من الطلب الكلي الفعال في الاقتصاد الأردني وهو ما نشهده حاليا.
من ضمن وسائل مكافحة الكساد وهبوط الأسعار والكساد التضخمي ما يلي: (11) تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي تم الموافقة عليه من قبل مجلس الوزراء. (2) الإسراع في تخفيض التكلفة على قروض المشاريع الصغيرة والمتوسطة. (3) القيام بمشاريع ريادية برعاية حاضنات الأعمال لتبني ورعاية الأفكار الريادية. (4) تقليل تكاليف الإنتاج من أجل رفع تنافسية الشركات والمنتجات الصناعية الأردنية. (5) المواءمة بين مخرجات التعليم من الخريجين واحتياجات سوق العمل من خلال التدريب والإرشاد المهني والتربوي. (6) إصلاح نظام التعليم والبعد عن أساليب الحفظ والتلقين واستبدالها بأساليب التفكير النقدي والتحليل والمناقشة وإتباع منهجية حل المشكلات. (7) تحسين فعالية البيروقراطية الحكومية لزيادة إنتاجية موظفي القطاع العام. (8) محاربة الفساد المالي والإداري. (9) تبني قوانين وتشريعات حكومية تسهل تأسيس الأعمال وتحفز القطاع الخاص ومؤسساته. (10) تخفيض العبء الضريبي على الشركات لتشجيعها على الإنفاق وتحريك السوق الأردني الراكد منذ سنوات عديدة لأن تخفيض الضرائب والرسوم خطوة في الاتجاه الصحيح لتحريك الاقتصاد ومكافحة الكساد الاقتصادي في الأردن.
للخروج من حالة الكساد في الأردن، يمكن إتباع مزيج من سياسات اقتصاد الطلب واقتصاد العرض أي مزيج من السياستين الكينزية والنقدية فلنكن كينزيين (Keynesian) بتفعيل الإنفاق الحكومي لزياد الطلب الكلي وتخفيض معدل الضريبة ولنكن من أتباع السياسة النقدية Monetarist لميلتون فريدمان ونتبع التسهيل الكمي لرفد السيولة في الاقتصاد الأردني وتقليل الضرائب على الشركات أسوة بسياسة الرئيس ترمب المتوقعة بتخفيض الضرائب على القطاعات الاقتصادية.
إن السياسة النقدية الحالية للبنك المركزي والقائمة على الرفع المتتالي لسعر الفائدة في الأردن (ثلاث مرات خلال أقل من عام) سيزيد من حدة الكساد في الاقتصاد الأردني لأنه سيرفع من تكلفة الاقتراض.

*أستاذ جامعي في الاقتصاد والتمويل