الدولة الأردنية وتقرير المصير العربي في قمة البحر الميت ( الدورة العادية الثامنة والعشرون 23 – 29 / 03 / 2017 )


يَستقبل الأردن القادة العرب في قمة ما بعد ربيع شعوبهم،وهو على مشارف المئوية الأولى على تأسيسه.معززا بذلك مكانته كأقدم نظام سياسي في الشرق الأوسط بما يمتلك من نظام سياسي مستقر وخبرة في العمل المؤسسي في إدارة الدولة المدنية الحديثة،وبما تمتلكه قيادته من حضور لافت في المحافل الدولية صانعة القرار العالمي بما يخدم المصالح الأردنية العليا ومصالح الأمة العربية.كل هذا وفر للأردن وقيادته إحترام المجتمع الدولي،مؤكدا بذلك على دوره التاريخي المنسجم مع قرارات الشرعية الدولية بالدفاع عن القضايا العربية.
فمنذ قمة أنشاص الأولى عام 1945 كان للأردن حضورا بارزا ودورا فاعلاً ساهم بتأسيس جامعة الدول العربية.هذا الدور الممتد تاريخا وسياسة،ودولة إحتضنت نهضة العرب الكبرى،وتمثل ذلك في شخص الشهيد الملك المؤسس عبد الله الأول إبن الحسين – طيب الله ثراه في ترسيخه لقواعد الدولة الحديثة ونظرته الشمولية للشأن العربي.
وفي البحر الميت – أخفض بقعة جغرافية في العالم - يلتقي القادة العرب ليعيدوا القضية الفلسطينية إلى الواجهة من جديد،لتحتل مكانتها الطبيعية على مسرح الأحداث العالمية بشأن الصراع العربي الإسرائيلي.لتجديد دعوة العرب لحل القضية الفلسطينية وضمان أمن إسرائيل الذي يكمن في حل الدولتين لا سواه.
ومن تصاريف القدر أن هذه القمة تنعقد بعد مرور 50 عاما على قمة الخرطوم عام 1967 التي رفعت شعار ( لا للإعتراف،لا للصلح ولا للتفاوض ).
إن الشعوب العربية لتؤكد على حقها في تقرير مصيرها وإستعادة دورها بما يحفظ مركزية العالم العربي وحضوره الإقليمي التاريخي وموقعه الجغرافي في المنطقة الممتدة من ضفاف بحر العرب إلى ضفاف المحيط الأطلسي.
إن سياسة حُسن الجِوار والحِوار مع إيران وتركيا بالإعتراف المتبادل بالمصالح المشتركة،يفرض تنسيقا إقليما في دعم القضايا العربية والإسلامية بشكل خاص،والقضايا الانسانية بشكل عام.مما يُحَتِم على الجميع الإبتعاد عن سياسات الإستقواء والتعنت وفرض الهيمنة والتدخل في شؤون الآخرين.فبقاء القضايا العربية دون حلول سيؤدي إلى نتائج تهدد الأمن الإقليمي والسلم العالمي.
إن خصوصية هذه القمة تتركز في عقدها في الأردن لتقرير المصير العربي من خلال المفاصل الرئيسية التالية:
أولا:قدرات الدولة الأردنية:
في ظِل عالم مُتعدد الأقطاب يؤكد على إحياء التجمعات الإقليمية ودورها في الحِفاظ على الأمِن والسِلم العالميين،تَتَجلى عبقرية المكان التي تؤكد على أهمية إستراتيجية الجغرافيا السياسية للدولة الأردنية التي تُوظف كافة قُدراتها وشبكة علاقاتها الواسعة مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية، للمساعدة ليس فقط في إطفاء حرائق الإقليم الملتهب بل والدولية أيضا.
وهذا ما يُمَكِن الأردن أيضا من لعب دور الوسيط في حل الخلافات والنزاعات العربية العربية وإعادة الدفىء للعلاقات بين الأشقاء العرب.
إن نجاحات السياسة الخارجية التي إتبعها الأردن ونظرته الثاقبة للحلول الشاملة للقضايا العربية ورؤية قيادته الواعية التي بَنت علاقات دبلوماسية متينة مع دول الجِوار والمنطقة والعالم،تُعتبر نَجاحا للنظام العربي الرسمي الذي يُقوي موقفه ويَدعمه في إستعادة ذاتة بعد مرور ستة سنوات على أحداث ما يسمى بالربيع العربي،ليعطي رسالة قوية للعالم على أهمية الدور العربي في حِفظ الأمن والسلم العالميين.
ثانيا:مركزية القضية الفلسطينية :
إن هذة القمة تُعيد القضية الفلسطينية إلى دورها المركزي كقضية العرب الأولى وتؤكد على حق الشعب الفلسطيني بإقامة دولتة على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 بما يتوج تاريخة النضالي ويؤكد على تطبيق قرارات الشرعية الدولية في حق العودة وتعويض اللاجئين طبقا لقراري هيئة الأمم المتحدة ( 181 , 194 ). مع الأخذ بعين الإعتبار محاولات إسرائيل فرض حقائق على أرض الواقع غيرت جُغرافية وديموغرافية وموارد الضفة الغربية طوال فترة الإحتلال وفي مقدمتها المستوطنات.ونُدرك أن أي تعديل على المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل يجب أن لا يَمُس بالمقابل سيادة وهوية الدولة الأردنية.
إن المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل لتؤكد على رفض إقامة أي كيان ذو طابع ديني أو طائفي او مذهبي أو عرقي في منطقة الشرق الأوسط.وعلى الآخر أن يلتقط جنوح العرب للسلام ويعتبرها فرصة تاريخية للجميع تُطلق آفاق التنمية بما يَخدم مَصالح كافة شُعوب المنطقة.
ثالثا:الأزمة السورية والحل السياسي :
إن دخول الأزمة السورية عامها السادس ليؤكد على أن الحل السياسي هو المخرج الوحيد لإستعادة الدولة السورية لدورها الطبيعي محليا وإقليميا.وهذا ما نادى به الأردن منذ بداية الأزمة في عام 2011.ويبدو أن الأطراف الدولية والإقليمية والعربية باتت أكثر إقتناعا بجدوى هذا الحل الذي سَيُمكن اللاجئين السوريين من العودة إلى ديارهم مما يخفف الضغط على دول الجوار المستضيفة للجوء السوري وفي مقدمتها الأردن،الذي أثقل كاهله وحَمله أعباء كبيرة نظرا لضخامة عدد اللاجئين الذي إقترب من 2 مليون لاجىء.مما شكل ضغطا كبيرا مُستنزفا لِموارده المحدودة أصلا.وبما يسمح لهؤلاء اللاجئين أن يكونوا قُوة دفع وبِناء وإعادة إعمار دولتهم،وبِناء نِظامهم السياسي المُستند للديمقراطية وصناديق الإنتخاب.
هذا اللجوء الذي نأى المجتمع الدولي بنفسه عن تحمل مسؤولياته تجاهه،لا بل وتخليهم عن إلتزاماتهم ووعودهم بتقديم الدعم للأردن لمواجهة أعباءه.ونحن ننتظر من هذه القمة أن تأخذ على محمل الجِد معاناة دول اللجوء السوري وفي مُقدمتها الأردن ولبنان وتقديم الدعم اللازم لهاتين الدولتين للقيام بدورهما الإنساني تجاه اللاجئين.
رابعا:مكافحة الإرهاب أولوية وطنية وعالمية
تتمحور فكرة الإرهاب بأنه أصبح عابرا للحدود كمعضلة عالمية لا يوجد أي بلد مُحصن منه أو بمنأى عنه.وفي تفسير هذه الظاهرة بشكل جذري يعود ظهوره وإنتشاره السريع إلى إنتشار الفقر والبطالة بين الشباب العربي في ظل غياب للديمقراطية والعدالة والحرية وحقوق الإنسان وكرامته بالعيش بغض النظر عن جنسه وأصله وعرقه ودينه أو إنتماءه السياسي،ترسيخا لإتفاقية الأمم المتحدة بشأن مكافحة التمييز بما يؤكد قوة الشرعية الدولية.
ولعل في القمة العربية دعوة للحكومات والمؤسسات العسكرية والأمنية في كل من الأردن ولبنان وتركيا بالتنسيق الأوسع عبر لجان وغرف عمليات مشتركة لإقرار وتنفيذ خطط تحد من المفاعيل الأمنية والإقتصادية والإجتماعية للنزوح السوري عبر دعم الجيوش الوطنية لتمكينها من فرض الأمن وضبط الحدود.
ولعل في دور المؤسسة العسكرية الأردنية ( الجيش العربي ) المثال الحقيقي والمُحتذى في حِماية الأمن الوطني الأردني والمساهمة في ضَرب الإرهاب في أوكاره بعيدا عن التدخل في الشؤون الداخلية للأطراف المتنازعِة على حدوده.
ومِن نافِلة القول هنا أن مُحاربة الإرهاب الفِكري بين الشباب العربي هو الأساس المُرسخ لنقل الصورة الحقيقية عن الإسلام وإحياء المجتمعات العربية المستندة إلى التنوع وقبول الآخر.
ولعل هذا يظهر جليا في رسالة عمان التي شدد من خلالها الأردن على إعادة التأكيد على القيم الأساسية للإسلام ( الرحمة والإحترام المتبادل والتسامح والقبول وحرية الدين ).
إن صمود الأردن في مواجهة الإرهاب هو صمود للعرب.إذ ما فتىء الأردن يوما عن تقديم أبناءه دفاعا عن أمته وقضاياها العادلة.ولعل في تلك التضحيات خصوصية أردنية تمثلت في أن الشهداء الأردنيين كانوا يمثلون كافة مكونات الدولة الأردنية (القيادة، والحكومة،والشعب) فمن الشهيد الملك المؤسس عبد الله الأول إلى الشهيدين هزاع ووصفي،وصولا إلى شهداء الجيش العربي.
وهنا يَظهر جَليا حِرص القيادة الأردنية على المضي قُدما لتحقيق الإنتصار على الإرهاب والقضاء عليه أينما وجِد.ولعلنا نجد في توجيهات جلالة الملك مطلع هذا العام لإنشاء صندوق لأسر الشهداء دليلا قاطعا على عزم الأردن مواصلة حَربه على الإرهاب،ويَحمل رسالة واضحة إلى قوى الشر والطُغيان بأن الجيش العربي الأردني لن يتهاون أبدا في حِفظ أمنهِ وإستقرارهِ وسيكون لهم بالمرصاد.
خامسا:التنمية الإقتصادية المستدامة
لعل من الأزمات الضاغطة على الدول العربية هي المشاكل التي تتعلق بتحقيق التنمية المستدامة،والمتعلقة بالنمو والتقدم والرقي على السلم الحضاري العالمي.وما مشاكل البطالة والفقر والفساد المستشرية إلا إنعكاسا طبيعيا لفشل السياسات التنموية وخصوصا في المشاريع العربية المشتركة.ولعلنا نجد في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة دليلا على ذلك.
إذ أورد التقرير أن نصف المواطنين العرب يعيشون على دولار ونصف يوميا.وهذه نتيجة حتمية لفشل السياسات التربوية التي عجزت عن تحويل المجتمعات العربية إلى مجتمعات المعرفة التي هي جوهر التنافس في العالم. .(من الورقة البحثية للدكتور جعفر الروسان )
إن ضرورة الإنتقال لمجتمعات المعرفة،في حماية الشباب العربي وإستغلال طاقاتهم،وحماية الطفولة العربية،وتوفير أسس وسبل الحماية لهم،يتحقق من خلال برامج وقوانين وتشريعات ترتقي الى المستوى العالمي.
وهنا لا يعقل أن يكون هناك قمة إقتصادية عربية واحدة فقط من أصل ما يقرب من 50 قمة عربية عادية وإستثنائية.فمن حق الشعوب العربية أن تتسائل:
أين العملة العربية الموحدة؟؟؟
وأين الدعوات لإزالة الحواجز والرسوم الجمركية بين الدول العربية؟؟؟
وأين السوق العربية المشتركة؟؟؟
لا يمكن للتكامل الإقتصادي العربي أن يتحقق إلا عبر سياسة متوازنة بين دول الموارد المالية وبين دول الموارد البشرية والطبيعية،مما يطلق آفاق وطاقات العالم العربي الإقتصادية.(من الورقة البحثية للدكتور جعفر الروسان ).
ومن أماني وتطلعات الشباب العربي أن يتم إنشاء صندوق عربي " للتنمية البشرية والقوى العاملة " يكون متخصص في إقامة المشاريع المدرة للتشغيل في الدول العربية التي تُساهم في الحد من البطالة التي وصلت في بعض المجتمعات العربية إلى نسبة تفوق ال 50%.
سادسا:تطوير مؤسسة الجامعة العربية والبرلمان العربي المشترك
إن جامعة الدول العربية كمؤسسة ما هي إلا تعبيرا عن أماني وطموحات الشعوب العربية،وهي الآن أشبه بمنظومة كونفدرالية.نتمنى أن ترتقي إلى المفهوم الفيدرالي الذي يُعزز وحدة الأمة العربية. (من الورقة البحثية للدكتور جعفر الروسان ).
ونستذكر هنا أن النظام الداخلي لجامعة الدول العربية بحاجة إلى تطوير بما يضمن صدور القرارات وِفق الأغلبية المستندة على المصالح المشتركة.ولعل في البرلمان العربي المشترك المنتخب من أبناء الشعوب العربية ضامنا لذلك على أن يكون شريكا حقيقيا في صناعة القرار العربي. (من الورقة البحثية للدكتور جعفر الروسان ).
ومن الجدير ذكره بالحديث عن " البرلمان العربي " إن نواة العمل البرلماني العربي المشترك الذي يعكس إرادة الشعوب العربية يعود إلى عام 1931 حيث عقد لقاء في القاهرة جمع بين وفدي مجلس الشعب المصري بعضوية عبد الرحمن باشا عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية،وعضو المجلس التشريعي الأردني الثاني ناجي باشا العزام.حيث أكدا على تعزيز مفهوم الدولة الوطنية والسيادة وتدعيمه بأنظمة ديمقراطية مدنية تعددية وتجديد العقد الإجتماعي بشكل دائم لضمان الإستقرار الداخلي مع تفعيل قيم المواطنة ودور المجتمع.(من وثائق الشيخ ناجي باشا العزام).
خاتمة:
حمى الله وطننا العربي من كل سوء،وحفظ قادته وجمع بينهم على الخير لما فيه مصلحة الشعوب العربية إزدهارا ونهضة وتقدما.وأختم بقول الله تعالى:
" وإعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون"صدق الله العظيم
بقلم:أسعد إبراهيم ناجي العزام
رئيس جمعية حداثة للتنمية والديمقراطية
عمان – الأردن 23 – آذار - 2017