القمة والمشروع العربي

لم يعد بمقدور دولة قطرية ان تعيش بمعزل عما يدور من حولها سواء على صعيد اقليمي او دولي, كما ان الدولة القطرية مهما بلغت قوتها الاقتصادية او اهميتها الاستراتيجية, ممكن لها ان تنعم بالأمن والاستقرار في ظل ضعف لقواتها العسكرية او العلمية او التكنولوجية او ضعف لجبهتها الداخلية.

اسوق هذه المقدمة ونحن على مسافة ايام من عقد مؤتمر القمة العربي الدوري على شواطئ البحر الميت, وعلى مسافة ساعات من بدء اجتماعات اللجان الاقتصادية والسياسية سواء على مستوى الخبراء او الوزراء.

فنتائج هذه الاجتماعات هي التي تشكل البيان الختامي لمؤتمر القمة, اللهم الا اذا لم يتمكن وزراء الخارجية من الاتفاق على كافة القرارات, فعندئذ يتم تحويل الخلاف الى الرؤساء والملوك.

تنعقد قمة البحر الميت في ظل مرحلة قاسية تحيق بمعظم الدول العربية ان لم يكن كلها, سواء على الصعيد السياسي او الاقتصادي او الامني, وهذا يتطلب ان تشكل القمة العربية نقطة تحول وانطلاق حقيقي, والتحول من حال المتلقي والدائر بفلك قوى اخرى, الى حال الفاعل والمؤثر واللاعب الأساسي على مسرح العالم وقواه الفاعلة والنافذة.

والمتتبع لمسار الاحداث خلال السنوات الاخيرة نجد ان اقطارنا العربية وشعبنا العربي وبنيته الديمغرافية واللوجستية والجغرافية, وبناها التحتية, هي المستهدف بالهدم والتدمير والتفتيت والتقسيم, بهدف الهيمنة على مقدرات وثروات وطننا العربي الكبير, وتسخير موقعه الاستراتيجي لمصالح القوى الكبرى المهيمنة على العالم, او على غالبيته باحسن الاحوال.

كما ان المراقب يلمس ايضا ان مرد ذلك لعاملين رئيسيين:

الاول: الضعف والشرذمة والفرقة والخلافات.

الثاني: غياب مشروع عربي متوافق عليه يراعي المصالح القومية.

هذا الحال جعل من منطقتنا هدفاً لقوى اقليمية ودولية. دون توفر قوة عربية قطرية او اقليمية تشكل عامل ردع لكافة اشكال الاطماع الاجنبية.

لذا فان المواطن العربي يتطلع الى قمة البحر الميت كملاذ اخير, لاخراج وطننا الكبير من براثن الطامعين, الى ما يستحقه الشعب العربي والوطن العربي من حياة كريمة في ظل استقلالية كاملة محمية من قواه الذاتية, وهذا يتطلب من القمة العربية الاتفاق او التوافق على ما يلي:

اولا: بناء استراتيجية شاملة سياسية وثقافية واقتصادية عسكرية مع احترام خصوصية الاقطار في المرحلة الاولى من هذا المشروع العربي.

ثانيا: الايمان بان التوافق الجماعي هو مصدر قوة واستقرار للجميع.

وهذا يتطلب التقدم بخطوات عملية للوصول الى تحقيق الاهداف المرجوة.

ثالثا: في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة, وما تعانيه جميع الدول العربية من انكماش اقتصادي, سواء ناجم عن تراجع اسعار النفط او تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي او الحروب والنزاعات المسلحة داخل بعض الاقطار, وما آل اليه احوال بعض الدول لشراء صفقات سلاح بعشرات المليارات من الدولارات, التي بفضل هذه الصفقات تم انقاذ اقتصاديات بعد الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية.

ونظراً للخطط الاقتصادية للدول النفطية بتنويع مصادر دخلها, فهذا يعني بضرورة العمل على انشاء مشاريع استثمارية انتاجية في الدول العربية الاكثر معاناة اقتصاديا, ففي ذلك يحقق مصالح مشتركة لطرفي المعادلة, اضافة الى امن وحفظ لهذه الثروات مما يجنبها التجميد او المصادرة او التهديد بذلك.

كما ان هذه الخطوة ستؤدي الى رفع مستوى حياة المواطنين بشكل عام. مما يضعف استغلال حال الاحباط والفقر من قوى ارهابية او متطرفة مما يرسخ ويعزز الأمن والاستقرار على امتداد الوطن العربي الكبير.

رابعاً: العمل على استثمار العقول والكفاءات العربية لبناء نهضة صناعية وزراعية وتجارية وتكنولوجية وخدمية وغيرها, وهذا يتطلب تحديد الرؤى للمستقبل الذي نريد. ولا يتحقق ذلك الا من خلال بناء مؤسسات بحثية في كافة مناحي العلوم والاداب, وبذلك نساهم مساهمة فعالة في خدمة الحضارة العالمية وعلومها وآدابها.

خامساً: العمل على صون وحماية الجبهة الداخلية لكل قطر, وهذا يتحقق بالسير نحو بناء انظمة ديمقراطية, قائمة على التعددية السياسية والفكرية, وعلى مبدأ المواطنة وحرية التفكير والتعبير.

سادساً: التعامل مع دول العالم وخاصة الكبرى على قاعدة المصالح المشتركة, فمن غير المنطق ان تبقى امريكا بقيادة ترامب »على سبيل المثال« ان تعلن انها ستتعامل وفق المصالح المشتركة, بينما في واقع الحال لا تعني الا مصالحها فقط, دون مراعاة مصالح اقطارنا العربية, وما كان لترامب ان يفكر بمثل هذه الافكار لولا ادراكه بالضعف والتشرذم العربي, والحاجة اليه لحماية واستقرار هذه الاقطار.

بالرغم من علم الادارة الامريكية ان مصالحها في منطقتنا العربية تفوق مصلحة الاقطار العربية للادارة الامريكية,, فيما لو تم التعامل وفق توافق عربي على قاعدة ومبدأ تبادل المصالح.

سابعاً: على القمة العربية العمل على تحييد النزاعات والخلافات البينية والتوافق على قواسم مشتركة تعزز قوتها على كافة الاصعدة.

ثامناً: العمل على تحديد اولوية ادارة الازمات والخلافات وخاصة الاقليمية منها, والوصول الى تصغير هذه المشاكل, فمن شأن ذلك ان ينزع عامل الخوف والتخويف من قوى كبرى لبعض من دولنا خدمة لاهدافها ومصالحها.

تاسعاً: اعادة الاولوية للقضية الفلسطينية وذلك من خلال ممارسة كافة اشكال الضغوط على كيان الاحتلال الاسرائيلي لانهاء احتلاله للاراضي الفلسطينية والعربية, ولارغامه على تطبيق القرارات الدولية خاصة قراري الجمعية العامة رقم 181 و.194

كما يتطلب ذلك موقفاً عربياً موحداً يجابه ادارة ترامب التي تمعن في حماية الارهاب الاسرائيلي وتمكينها الافلات من الادانة والاستنكار والعقاب, وما الضغوط التي مارستها ادارة ترامب على الاسكوا الا خير مثال للازدواجية الامريكية في التعامل مع قضايانا العربية وخاصة الفلسطينية منها.

لذا فالمطلوب من القمة العربية أن تطلق القمم الروتينية السابقة وتنطلق انطلاقة جديدة مبنية على التوافق والتكامل والتفاهم والانسجام على مصالحنا المشتركة لنتمكن من مواجهة التحديات والاخطار المحدقة بجميع الاقطار من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب.

كما مطلوب ايضا من القمة وبعد تحديد الاولويات لكيفية التعامل على الصعيد الدولي ان يتم تشكيل وفد ممثل للقمة يضم عدداً من قادة وزعماء الدول العربية برئاسة جلالة الملك عبدالله الثاني كرئيس للقمة للعام القادم وتفويض هذا الوفد للتحدث باسم الجميع, سواء خلال اللقاءات مع ادارة ترامب او روسيا او دول الاتحاد الاوروبي او غيرها.

فعندما تتيقن الدول الكبرى وخاصة امريكا ان الدول العربية قد خطت الخطوة الاولى نحو التوافق على لغة واحدة ومصالح واحدة واستراتيجية واحدة وانها فوضت وفداً يتحدث نيابة عنها, عندئذ فانني على ثقة بان ادارة ترامب او غيرها ستحسب الف حساب قبل التلويح بصراحة او بالغمز بالتهديد لاي من اقطارنا العربية.

كما ان دولة الاحتلال الصهيوني ستدرك ايضا عندئذ انه لا مناص امامها سوى الاذعان للقرارات الدولية وانهاء احتلالها لكافة الاراضي العربية, ولاراض فلسطينية احتلت بالقوة منتهكة قرار 181 بالرغم من ظلمه بحق الشعب الفلسطيني, وللاراضي المحتلة اثر عدوان الخامس من حزيران .1967

هذا ليس حلم ولكنها رؤية من اجل العرب حكاماً وشعوباً.