عن تقرير الأسكوا أتحدث

التقرير الذي أطلقته اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا؛ "الإسكوا"، قام على إعداده مختصان في القانون الدولي، ويعتبر - في تصوري-  تطبيقا عمليا للهدف الذي حدده مؤتمر بازل العام للصهيونية باعتباره "إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين يضمنه القانون العام"، وأهمية هذا التقرير أنه يتجاوز مسألة إدانة سياسية لممارسات الكيان الصهيوني إلى كونه دراسة جادة؛ سياسية قانونية واقعية، للممارسات العملية للفصل العنصري لدولة الكيان الصهيوني، وقد أشار الباحثان إلى وعيهما بـ"خطورة" أن يستنتج تقرير صادر عن منظمة من منظمات الأمم المتحدة بأن عضوا فيها يمارس جريمة الفصل العنصري، خصوصا بعد انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والذي أوهم العالم أن ممارسات الفصل العنصري قد انتهت إلى غير رجعة.

خلص تقرير الأسكوا إلى أن "إسرائيل أسست نظام فصل عنصريا، أبارتايد، يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه" - بما يشمل  عرب 1948-، وذلك خلافا لنص المادة (2) من اتفاقية قمع جريمة الفصل العنصري للعام 1973، وبدلالة  نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولة اللذين عرفا جريمة الفصل العنصري، بأنها: أفعال لا إنسانية ترتكب في سياق مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء جماعة عرقية أخرى. 

التقرير توقف عند مفهوم العمل المؤسسي الإسرائيلي لممارسات الفصل العنصري، وقد وجدها تتمثل في القوانين الإسرائيلية النافذة، ومنها القانون "الأساسي الإسرائيلي" وقانون ممتلكات الدولة للعام ١٩٥٢، والذي حصر ملكية الأراضي التي تحكمها قوانين اسرائيل باليهود فقط، وفي الوقت الذي سمح فيه القانون الاسرائيلي لأي يهودي بالاستيطان في الاراضي الفلسطينية وإن لم يكن له فيها أي صلة؛ فقد منعها على الفلسطيني التي تَظهر دلائل ملكيته لتلك الأرض.

إضافة الى ذلك، فإن القانون الإسرائيلي حظر على أي حزب سياسي - ومنها الأحزاب العربية في اسرائيل - الطعن بهذه  القوانين في الكنيست. وبهذا فقد أثبت التقرير، وسنداً للقانون الإسرائيلي نفسه، ان الهدف والنية من أعمال اسرائيل للفصل العنصري هو الهيمنة العرقية، وهو الشرط – أي نية الهيمنة العرقية - الذي يجعل هذه الأفعال تكتسب صفة الجرائم ضد الإنسانية بحسب نصوص اتفاقية  "قمع جريمة الفصل العنصري" آنفة  الذكر.  

إضافة إلى القوانين، فقد أثبت التقرير أن استراتيجية تفتيت الشعب الفلسطيني هي الأسلوب الأساسي الذي تنفذ اسرائيل بواسطته نظام الفصل العنصري "الابارتايد" على الفلسطينيين، حيث يعيش الفلسطينيون تحت أربعة تقسيمات يحكمها إما قانون اسرائيلي عسكري أو مدني. إن تعرية الممارسات العنصرية الإسرائيلية ليست بجديدة بموجب هذا التقرير، فالرئيس الأميركي الأسبق جيمي كاتر تحدث عنها تفصيلا في كتابه "فلسطين: السلام وليس الفصل العنصري"، ولكن الجديد أن يصدر عن منظمة للأمم المتحدة، وأن تأتي على شكل إثبات هذه الممارسات العنصرية، وليست في إطار التحليل السياسي، وانما بالاستناد الى القوانين الاسرائيلية ذاتها.

إن سحب التقرير بإرهابٍ من أميركا وإسرائيل يعتبر إشهارا دوليا للتقرير، وأعتقد أنه سيحظى باهتمام عالمي واسع. بالطبع يعد سحب التقرير والصمت العربي إزاء هذا التصرف إحراجاً للدول العربية التي تشاهد هذه المسرحية من دون أن يكون لها اي إسهام في وقف مهزلة تحيز أميركا لإسرائيل، ما يؤكد ان الدول العربية فقدت وزنها وتأثيرها في هيئة الامم المتحدة.

استقالة الدكتورة ريما خلف عززت ما نعرفه عن الأمم المتحدة بأنها فاقدة لاستقلاليتها ومصداقيتها ونزاهتها، وهي" تدار من بعض حكومات قليلة الاكتراث بالقيم الدولية وحقوق الإنسان"، بحسب تعبير الدكتورة خلف في كتاب استقالتها. هذا الموقف الشجاع للدكتورة خلف عرّى، مرة جديدة، الأمم المتحدة، وسلط الانتباه على تقرير، أعتقد أنه ضرب اسرائيل في مقتل، آملاً ان تتولاه منظمات المجتمع المدني، وأن يكون محطا للدراسة والبحث وإمكانية اتخاذ إجراءات قانونية لإدانة "اسرائيل" ومحاكمتها عن جريمة الفصل العنصري، وقبل ذلك عن جريمتها المستمرة وهي احتلال فلسطين.