تقرير "الإسكوا": برنامج عمل من ثلاث نقاط

بقراءة الملخص التنفيذي لتقرير لجنة الأمم المتحدة الاجتماعية والاقتصادية لغرب آسيا (إسكوا)، الأسبوع الفائت، يتضح أننا أمام توصيف دقيق وقوي جداً "للجرائم" الإسرائيلية، لو جرى تبنيه ليصبح خطاباً عالمياً لساهم كثيراً في حل الموضوع الفلسطيني- الإسرائيلي، لأنّه ببساطة يرفض تماما "الدولة اليهودية" من حيث المبدأ. ولو اتفق العالم على رفض فكرة "الدولة اليهودية" لانتفت كثيرٌ من مسوغات وأسس وجود الاحتلال، ولاتضح أكثر شرعية حق العودة للفلسطينيين. ويرفض التقرير كذلك تماماً الممارسة الحالية من قبل دول كثيرة، بما في ذلك بعض الفلسطينيين الرسميين، الذين يقبلون التمييز بين الجريمة والمجرم، ويسمي الممارسات الإسرائيلية بالجريمة، ويطلب ضمناً تصنيف إسرائيل نظاما مجرماً.

صدر التقرير يوم 15 آذار (مارس) الجاري، بعنوان "الممارسات الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني ومسألة الابارتايد (الفصل العنصري)"، ثم طلب الأمين العام بعد يومين سحب التقرير، مما دفع المسؤولة عن إصدار، التقرير ريما خلف، لرفض الطلب وتقديم استقالتها.
هناك ثلاث قضايا أساسية يثيرها التقرير تجعله فريداً وصالحاً لتبنيه أساساً لخطاب تحرري، ومناهض للكيان الإسرائيلي.
أول ما يطرحه التقرير، هو موضوع الاستثنائية، أي أنّه لا يجوز استثناء إسرائيل، وقبول وجود قواعد خاصة للتعامل معها، فبحسب التقرير فإن انهيار نظام الأبرتايد في جنوب إفريقيا لا يلغي وجود ذات النظام حتى الآن، في إشارة للنظام الإسرائيلي. وأهمية هذه المسألة أنّ جزءا كبيرا من دول العالم تريد تطبيق معايير خاصة في التعامل مع حالة الإسرائيليين، ونظامهم، وكأنه لا يجوز تطبيق القانون الدولي عليهم.
ثاني الأمور، هو رفض التمييز بين المجرم والجريمة، أي عدم قبول فكرة التركيز على الممارسات العنصرية، من مثل جدار الفصل العنصري، والسلوكات الاقتصادية والاجتماعية، بل يصر التقرير على "تعريف للأبارتايد كما يرد في القانون الدولي، والذي يحمل في طياته مسؤوليات على الدول". وهنا يمكن القول إنّه عندما يقوم الأوروبيون بالاكتفاء بوضع عبارة على البضائع المصنوعة في المستوطنات الإسرائيلية، في الأراضي المحتلة العام 1967، دون مقاطعة هذه البضائع، ناهيك عن مقاطعة إسرائيل، فهم يميزون بين المجرم والجريمة، ويهاجمون الجريمة دون المساس بالمجرم، وهو ما يفعلونه عندما يدفعون منحا للجامعات الإسرائيلية شريطة عدم إنفاقها في المستوطنات. والواقع أنّه حتى القيادة الفلسطينية طلبت في أكثر من مرة مقاطعة بضائع المستوطنات، مع نفي دعوتها لمقاطعة البضائع الإسرائيلية ذاتها، التزاماً بالاتفاقيات الاقتصادية الموقعة معها.
الركن الثالث في التقرير، هو مواجهته بقوة وصراحة فكرة الدولة اليهودية، بالقول إنّ هذه الفكرة هي التي تثبت وجود هدف عند إسرائيل هو "الهيمنة العرقية"، وهذا الهدف هو من الناحية القانونية ما يؤكد أن جريمة الأبارتايد جرائم ضد الإنسانية (كما يقول التقرير). والتقرير بتوضيحه أنّ فكرة "الدولة اليهودية" هي التي تبرر التمييز العرقي، الذي يسمح بموجبه على سبيل المثال لأي يهودي في العالم بالهجرة إلى فلسطين والحصول على الجنسية الإسرائيلية، فيما يُمنع الفلسطينيون من العودة لديارهم وأراضيهم وبيوتهم، وذلك وفق سياسات "هندسة ديموغرافية" بغرض "الحفاظ على إسرائيل دولة يهودية"، فإنّه (التقرير) يشكك ويقوض أساس المشروع العرقي الصهيوني برمته.
إذا كانت الدول الأعضاء في الأسكوا هي الدول العربية الآسيوية، وإذا كانت ريما خلف هي قائد هذا المشروع ومن دافع عنه، ببطولة، فإنّ من المهم أيضاً تذكر أنّ من أعد التقرير هما، ريتشارد فولك، وفرجينيا تيللي. وفولك الأستاذ في جامعة برينستون، يهودي أميركي، عمل سابقاً مفوضاً لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة مسؤولا عن الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967، أما تيللي فهي أستاذة جامعية أميركية أيضاً، وكاتبة لامعة، فازت بجوائز عدة، ومتخصصة في الصراعات الإثنية والعرقية، ما يزيد من مصداقية التقرير.
إنّ مواجهة العالم بحقيقة أنّ الكيان الصهيوني، عنصري من حيث الفكرة والأساس، وبأنّه لا يجوز التمييز بين جرائمه وبينه، من حيث الإدانة والإجراءات الواجبة ضده، كالمقاطعة، وأنّ هذا الكيان ليس استثناء يسمح له بممارسة العنصرية، ومن ذلك طرد الفلسطينيين من أرضهم ومنعهم من العودة، يمكن أن تتحول إلى جزء مهم من خطاب يجدر أن يتبناه العالم في مواجهة إسرائيل.