قراءة في قانون العفو العام .. مناورة تشريعية حكومية ذكية , القت الكرة في ملعب النواب

صدر قانون العفو العام المؤقت بعد طول انتظار وشد وجذب بين الحكومة ومجلس النواب , ويمكن القول بثقة أن الحكومة أقدمت على خطوة بالغة الذكاء حين طالت قائمة الجرائم المستثناة من العفو أكثر من مائة جريمة , فالمتمعن بالنصوص القانونية للجرائم المستثناة من العفو يحتاج الى براعة قانونية لحصر تلك الجرائم والتي يكاد عددها يزيد على الجرائم المشمولة بالعفو , اذ يبدو واضحا أن الجرائم االتي استفاد فاعلوها وشملها العفو هي جرائم المشاجرة البسيطة والسرقات البسيطة ( النشل ) وجرائم سوء أستعمال الامانة وغرامات الاقامة ومخالفات السير ومخالفات الابنية والصحة العامة وتعاطي المخدرات , بينما أستثنيت الجرائم الاكثر أنتشارا من حيث عدد مرتكبيها وهي جرائم الاحتيال وجرائم الشيك بدون رصيد .

ان قراءة متأنية للقانون تبين بوضوح أن الحكومة ارادت بقائمة الاستثناءات من العفو تبرئة نفسها من أي تهمة توجه اليها بالسعي لأفلات  مرتكبي جرائم الفساد والمال العام والرشوة وجرائم الاخلال بالوظيفة ( وهي التي تشمل قضية المصفاة على سبيل المثال ) وجرائم الاعتداء بالامواس والمشارط والموادة الحارقة والكاوية والتزوير  الجنائي والقتل العمد والمشاجرات الجماعية التي نتج عنها وفاة أو أيذاء والسرقة الموصوفة ( الكسر والخلع واستعمال السلاح )  بالاضافة الى جرائم الارهاب والتجسس , وهي توسعة مقصودة تمهيدا لأرسال القانون الى مجلس النواب الذي سيقع تحت ضغوط شعبية واسعة للحد من الجرائم المستثناة بحيث يتحمل المجلس المسؤولية أمام الناس فان هو أبقى القانون كما هو فان الحكومة تكون أشركته في الانتقادات أو التأييد الشعبي وان هو غير فيها  فان الحكومة ستخلي طرفها أمام المواطنين بحجة أن مجلس الامة صاحب الولاية التشريعية .

ومن الجدير بالذكر أن مجلس النواب يستطيع أضافة جرائم مستثناة أخرى بمعنى جرائم مشمولة بالعفو ليجعلها غير مشمولة ولكن ذلك سيكون بدون أثر عملي باعتبار أن القانون المؤقت تم تنفيذه قبل احالته الى مجلس النواب وكل تنفيذ للقانون المؤقت يظل صحيحا ولا يمكن الرجوع عنه اذ اصبح حقا مكتسبا لمن أستفادوا منه , ومن هنا فان كل ما يستطيع مجلس النواب ومجلس الاعيان فعله هو الحد من الاستثناءت كأن يشمل العفو الشيكات بدون رصيد وجرائم الاحتيال .

اذن يمكن القول أن الحكومة أصدرت قانون عفو محدود جدا وتركت للنواب توسيع دائرة العفو وتحمل المسؤولية وهي مناورة سياسية وتشريعية أقل ما توصف بأنها دهاء سياسي وتشريعي  أرضت من خلالها المعارضين للعفو و وبذات الوقت وجهت المطالبين به الى النواب للضغط عليهم من أجل توسيع قاعدة المستفيدين من العفو .

سيتعرض النواب منذ اليوم الى ضغوط شعبية في أتجاهين , اتجاه المتضررين من شمول قضايا الشيكات والاحتيال لأبقاء القانون كما هو , واتجاه المتضررين من أستثنائها المطالبية بشمول الاحتيال والشيكات بالعفو , وبالتأكيد سيكون الجدل حادا محتدما تحت القبة ,

ومن المتوقع أن تدرج الحكومة قانون العفو العام المؤقت على جدول الدورة الاستثنائة قبل نهاية الشهر الجاري