الاردنيون يحتفلون غدا بذكرى الثورة العربية الكبرى ويوم الجيش العربي
اعداد مديرية التوجيه المعنوي - نحتفل نحن الأردنيين في كل عام في العاشر من حزيران بيوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى ، تلك الثورة التي أوجدت لنا وطناً أضحى بحجم الدنيا كلها هو الشاهد الحي على ما تركته ثورة العرب الكبرى من أثر ملموس يحق لنا أن نعتز به ونفتخر نظراً لما يتمتع به هذا الأثر وهو الكيان الأردني الكبير من مكانة مرموقة بين الأمم المعاصرة .
ويحق لنا أيضاً أن نعتز ونفتخر بقيادتنا الهاشمية التي سمت بالأردن وأهله وظلت وفيّة لمبادىء الثورة العربية الكبرى ، تستهدي بنورها ، وتستظل بطهر مبادئها وغاياتها التي ما زالت المحرك الأساس للسياسة الأردنية الساعية إلى عزة العرب ووحدتهم وجمع كلمتهم ولمّ شملهم والمطالبة بالحقوق العربية والدور العربي الذي كان في عهود الإسلام القوية دوراً مؤثراً وفاعلاً يحسب له ألف حساب .
وقد وقف الهاشميون على مدى التاريخ في وجه كل الأخطار والمحن التي توالت على الأمة تشهد عليها الأحداث العظيمة في تاريخ هذه الأمة حيث وقف الهاشميون وفاء لواجباتهم ومسؤولياتهم التاريخية وقادوا أبناء العروبة في أعظم ثورة شهدتها الأمة العربية في تاريخها الحديث حيث كانت ثورة العرب الكبرى البداية الأولى لنهضة الأمة ووحدتها والخطوة الأولى على طريق تحررها واستقلالها.
لقد صنع العرب عبر تاريخهم الزاخر بالأمجاد وتراثهم العظيم الذي لا زال يستنهض مكنونات الأمة ويحثهم على الإقتداء بنبل المبادىء وسمو الغايات أمة ترسمت أمامها كل مقومات وجودها وسبل استمرارها وديموتها ونجاحها ، فكانت الدولة العربية العظمى التي انتشر الإسلام على يد أبنائها انتشاراً عظيماً في العصور الوسطى ساهمت أيضاً في بناء تراث الأمم الأخرى ونهضتها وتقدمها ، وظلت كذلك ما يزيد على قرون ستة من الزمان بدأ بعدها الانحدار الذي كان من أول أسبابه تفكك العرب وانقسامهم وتشرذمهم والالتفات إلى مصالح دنيوية ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع ..
فأتت على الدولة العباسية على يد المغول والحملات الصليبية وكذلك على الدولة الفاطمية إلى أن جاء صلاح الدين الأيوبي واسترد بيت المقدس وأعاد للأمة مجدها ، تبعتها دولة المماليك التي استمرت أكثر من قرنين ونصف القرن من الزمان قبل أن يأتي السلطان سليم الأول العثماني ليستولي على كامل البلاد العربية.
لقد كان العرب في تلك العصور أسياداً وضعوا على عاتقهم إيصال رسالة الإسلام العظيمة إلى دول وأقطار وأمصار البلاد شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً ، وتربعوا على قمة المجد والإزدهار والقوة انحدروا بعدها وتراجعوا ليتيهوا في سبات عميق أوصلهم إلى حافة الهاوية وظلوا يرزحون تحت سيادة الآخرين مدة أربعة قرون هي تلك الفترة التي حكمتهم فيها الدولة العثمانية التي جارت على اللغة العربية وعلى الدين الإسلامي وعلى الحريات ومقدرات الأمة وكل سبل نهوضها .
والتاريخ حافل بتلك الأحداث التي عاشتها الأمة في عهد الدولة العثمانية حيث الفساد مستشر بأنواعه ونظام الحكم مستبد وظالم وهناك التأخر الحضاري والعلمي والاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي والديني على يد حكام الولايات العربية الأتراك .
وقد جرت محاولات كثيرة لإقناع حكومة السلطان العثماني بالإصلاحات والمساواة التي تحقق العدالة بين العرب والأتراك واعتبار اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية واعتبارها لغة للتدريس في المدارس الرسمية ونشر التعليم فرفضت الدولة العثمانية كل تلك المحاولات الإصلاحية ومطالب العرب في الإدارة اللامركزية والاعتراف باللغة العربية وأصرّت على فرض النظام الذي أوجدته في بلاد العرب التي مزّقها العثمانيون إلى ولايات وأمصار تعيث فيها جماعة الاتحاد والترقي فساداً غير مسبوق فانتهجت سياسة القمع والتعسف والظلم واغتيال الأحرار والمثقفين من أبناء الأمة وتعليقهم على أعواد المشانق الأمر الذي دفع إلى إثارة سكان الولايات العربية على الدولة العثمانية خاصة من قبل الحركة الإصلاحية التي دعا إليها رجال الفكر وآتت أكلها بانتشار الجمعيات السرية السياسية الهادفة إلى بث روح الوطنية لدى سكان الولايات العربية وعلى رأسها جمعية العربية الفتاة وجمعية العهد وجمعية المنتدى الأدبي التي نجحت نجاحاً كبيراً في تأجيج روح العداء للسياسة العثمانية التي كانت تزداد سوءاً يوماً بعد يوم لدرجة أصبحت معها الأوضاع لا تطاق ما دفع أبناء الأمة الأحرار إلى التفكير في الخلاص من هذا الوضع المهين للأمة وأبنائها.
إننا ونحن نتحدث عن مناسبة يوم الجيش وذكرى الثورة العربية الكبرى فإننا نتحدث عن تاريخنا القومي الحديث الذي كانت فيه الثورة العربية منطلقنا باعتبارها الأولى في التاريخ الحديث ، وكلما حددنا توجه حركتنا القومية كانت أسس الثورة الكبرى قواعدنا ، وعندما نحصي محطات مسيرتنا الخيرة كانت الثورة العربية أولها فأصبحت المرجع الذي يجمعنا والرسالة التي نحملها ، ففي مضمونها توحدت مشاعر العرب في كل أقطارهم ، فما كانت ثورة آنية لنقف عند نتائجها المباشرة ولم تكن معركة أفرزت لنا المنتصر من المهزوم , لكنها كانت فكراً قومياً توحّد على يد قائد هاشمي فامتد عبر السنين والأجيال يوجه مسيرة أمة ويرسم لها معالم آمالها وأحلامها وتطلعاتها.
لقد مثلت النهضة بكل ما تعنيه الكلمة منعطفاً تاريخياً انتقل معه العرب من حالة إلى حالة بعد حوالي أربعمئة عام من الحكم العثماني الذي طال كل مناحي حياة الأمة العربية ، ولم يسهم هذا الحكم في تقدم العرب أو مساواتهم بمن هم مثلهم في ظل هذا الحكم أو إعطائهم أبسط حقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، لذلك كان أفق هذه الثورة هو الوطن العربي بأكمله ومضمونها قومي يتعدى الحدود الإقليمية الضيقة والأهداف الشخصية الزائلة ، والمشاركة فيها جماعية ضمت المناضلين العرب في معظم أقطار المشرق العربي وغاياتها سياسية قومية تهدف إلى تحقيق الإرادة السياسية الحرة وتأسيس الكيان القومي المستقل فاتسمت بالشمولية ووحدة الإرادة والهدف حتى شملت كل عربي كائناً من كان.
لقد جاءت الثورة العربية الكبرى دفاعاً عن الدين الإسلامي والبلاد العربية وأمة العرب بعد أن تحولت تركيا إلى دولة علمانية يتحكم بها جمال باشا السفاح وأمثاله ويعلقون المشانق للأحرار ويخنقون الحرية في نفوس كل من يطالب بها كحق جبله الله تعالى مع كل نفس بشرية انطلاقاً من أن كل مولود يولد حراً كريماً لا يقبل الظلم أو الضيم أو الاستبداد ، ولكن هذه الصفات كانت هي الغالبة على قادة الدولة العثمانية عندما نادت بتتريك لغة القرآن ولغة العرب وعاثت تفسد ما لم يطله الفساد وتقمع وتشرد وتشنق كل الذين لبّوا نداء الفطرة بحثاً عن استقلال إرادتهم وحرية رأيهم وتعبيرهم فهم لم يتعودوا أبداً أن يكونوا عبيداً لأحد ، فهم السادة منذ أن خلقوا ، وهم الأحرار الذين نمت الحرية في نفوسهم كما تنمو الغرسة على ماء عذب رقراق ، فبحثوا عن سيد من قريش فيه الشجاعة والخلق والذكاء والفطنة ويكلل هذه الصفات نسب هاشمي عريق امتد إلى بيت النبوة المتسم بالطهر والشرف والعفاف والأصالة فاستقر الأمر بأن يكون الحسين بن علي شريف مكة والأدرى بشعابها فهو الذي خبر السياسة ومارس شؤونها وخبر مداخلها ومخارجها وعرف توجهات السلاطين وقدراتهم واهتماماتهم ، وهو الأقدر والأجدر على حمل أمانة الأمة التي طال انتظارها لمثل هذا اليوم وطال شوقها وتوقها إلى الحرية الحمراء لتدق بابها بيد مضرجة بعد هذا السبات الطويل والظلم الذي ران على قلوب الأمة ، فحان الوقت لانتشال الإنسان العربي من هذا الواقع المسكون بالظلم والجهل لينطلق حراً مستقلاً يعيش حياة فضلى كريمة وليثبت حضوره وتميّزه وليعيد إلى الأذهان حضارته ويدافع عن تراثه العربي الإسلامي الذي لم يسلم من التحريف والتغيير والتغييب.
لم تكن الثورة العربية الكبرى وليدة لحظات أو تلبية لنزعات شخصية بل كانت تراكمات كثيرة من الاستعداد والتحضير والتفكير في كل ما يمكن أن تواجهه من معيقات وكل ما يجب أن يتم تحضيره على كل المستويات العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وعندما كانت الظروف التي يعيشها العرب في ظل الدولة العثمانية لا تمكنهم من القيام بهذه الثورة وهم الذين لا يملكون من مقوماتها إلا الإرادة والتصميم والتحدي ومن هنا ونظرا للمتغيرات السياسية الكثيرة على الساحة الدولية آنذاك , فكان لا بد من التحالف مع إحدى الدول الكبرى فكانت بريطانيا تسعى من جانبها إلى هذا التحالف الذي يقوي موقفها في الحرب العالمية ويضعف من موقف ألمانيا التي سعت بكل جهودها وتمكنت من إقناع الدولة العثمانية بالانضمام إليها في الحرب العالمية الأولى ضد بريطانيا وفرنسا ..
وقد تمكن الشريف الحسين وبنوايا المسلم الصادق والعربي الأصيل أن يأخذ وعوداً بريطانية بتقديم المساعدة للعرب في هذه الثورة للحصول على استقلال بلادهم ونيل حريتهم , وقد حدد الشريف الحسين بن علي مطالب الأمة العربية وما اتفقت عليه شعوبها من خلال ممثليهم موضحاً وبكل جلاء إن هذه المطالب لا يمكن التنازل عنها أو التفريط بها وأن أي دولة تساعدنا للحصول عليها ستجد من جانبنا كل الوفاء لما يبرم بيننا من اتفاقيات تضمن لنا حقوقنا التي من أجلها سعينا وراء هذه التحالفات ولكنها (أي الدول الحليفة) كانت تظهر شيئاً وتضمر أشياء كثيرة اتسمت بالخيانة والغدر الذي لم نتعود عليه في حياتنا الإسلامية العربية الأصيلة .
وتمثل هذا الغدر بوعد بلفور وسايكس بيكو وسان ريمو والتغير بإمدادات السلاح والأموال والمساعدة العسكرية بشتى صورها وأشكالها حتى كانت هذه الوعود والاتفاقيات المبرمة والخيانات المتتالية أثقل من قتال الدولة العثمانية ولم تنته هذه الخيانات والمساومات حتى بعد انتهاء الثورة وتحقيقها لبعض أهدافها على الأرض بل استمرت في صور أخرى وصلت إلى تغيير مجرى الأحداث من مواجهات مع الجيش العثماني إلى مواجهات مع الجيش الفرنسي وتقاعس واضح ومخطط له وسكوت عن الحق من قبل الجيش البريطاني ويعزز هذا كله تحالف بريطاني فرنسي صهيوني لتقسيم البلاد العربية والانتداب عليها واستغلال ثرواتها حتى وصل الأمر إلى طرد من قادوا ثورتها خارج البلاد التي ارتوت من دمائهم وتردد في شعابها صهيل خيولهم حيث تبعد بريطانيا رمز الوحدة والحرية والاستقلال وما يزال صدى صوته ينبعث بعد عقود من الزمن ويبشر بقدسية الرسالة (إنني أحب قومي وبلادي وديني أكثر من أي شيء في هذا الوجود) ..
ولكن هذا الحب سيبقى يذكي في نفوسنا معاني التضحية والفداء ومعاني الحرية والوحدة والاستقلال وستبقى تلك الرسالة الممتدة عبر الأجيال تنير لنا الطريق نحو العطاء الموصول والأمل المتجدد وتبعث في هذه الأمة ما يكفل لها البقاء والتماسك أمام كل المتغيرات المتسارعة وأمام كل التحديات التي تواجهها.
ولا يزال الجيش العربي يحمل مبادئ ورسالة الثورة العربية الكبرى وما تتضمنه من معاني الأنفة والعزة والكرامة ورفض التبعية ، كما لا يزال يدافع عن الوحدة العربية والقومية العربية البعيدة عن التعصب والتحيز .
أما صلة الجيش العربي الأردني بجيش الثورة العربية الكبرى فتعود إلى بدايات تشكيل الجيش العربي التي تعود إلى ذلك اليوم الذي أطلق فيه شريف مكة المغفور له بإذن الله الحسين بن علي الرصاصة الأولى في التاسع من شعبان 1334 هـ الموافق للعاشر من حزيران عام 1916 م ، حيث قال :( إن هذه الثورة عربية تشمل كل عربي كائناً من كان ، وإنني أقاتل من أجل ديني ، وبلادي ، وأهلي) ، ويدفع الشريف الحسين بن علي أبناءه عبد الله ، زيد ، فيصل ، وعلي ، ويضعهم على رأس كل جيش من جيوش الثورة العربية الكبرى ، أما جيش الشمال فقد كان بقيادة الأمير فيصل الذي بلغ بلاد الشام وأسس فيها مملكة ضمت سوريا وشرقي الأردن ، تلك المملكة التي لم تدم طويلاً حيث أحكم الاحتلال الفرنسي قبضته على سوريا بعد معركة ميسلون وقام بنفي الملك فيصل بن الحسين إلى إيطاليا.
وحينما تزايدت دعوات التحرر ضد المحتل الفرنسي بعث أحرار سوريا إلى الشريف الحسين ليساعدهم على التخلص من الاحتلال الفرنسـي ، فأرسل ابنه الأمير عبد الله ليقود الثورة ضد الفرنسيين ، وحال وصوله إلى مدينة معان عام 1920 شرع الأمير بتأسيس قوة عسكرية ( هي نواة الجيش العربي ) كان قوامها نحو 250 جندياً و25 ضابطاً ، وساهم في تشكيل هذه القوة عدد من الضباط والجنود العرب الذين رفضوا الخدمة في الجيش التركي ، وعندما اتضح لسموه استحالة مواجهة الدولتين العظميين آنذاك ( فرنسا وبريطانيا ) اكتفى بإنشاء كيان سياسي في شرقي الأردن اعترفت به الحكومة البريطانية فيما بعد وسمي هذا الكيان بـ ( إمارة شرق الأردن) ، والأردن اليوم هو الحقيقة المادية الوحيدة الباقية من هذه الثورة ، لذلك فإنه يعتبر نفسه وارث هذه الثورة الأمين على رسالتها.
أخذ الجيش العربي يكبر شيئاً فشيئاً إلى أن اندلعت الحرب العالمية الثانية التي استغلها سمو الأمير عبد الله ووجدها فرصة مواتية لتطوير الجيش وتسليحه وتنظيمه على أسس جديدة وذلك بإعلان وقوف الأردن إلى جانب الحلفاء ، فارتفع عدد الجيش العربي حتى وصل إلى ثمانية آلاف جندي ، وقد عملت بريطانيا على تعزيز قوة الجيش العربي التي أثبتت كفاءتها القتالية العالية في أكثر من حادثة.
في عام 1939 وهو العام الذي اندلعت فيه الحرب العالمية الثانية كان كلوب باشا قد تولى قيادة الجيش العربي حيث وصل عدد أفراد هذا الجيش إلى 1600 رجل وأخذ الأمير عبد الله يعزز تنظيم الجيش العربي على أسس حديثة وبدأ التوسع فيه حيث بدأت قوة البادية بكتيبة ثم أصبحت ثلاث كتائب ، وفي عام 1940 كان الضباط في الجيش كلهم عرب باستثناء كلوب باشا وفي ذلك دلالة على التفكير الواعي للقيادة الهاشمية التي أرادت لهذا الجيش منذ البداية أن يكون جيشاً عربياً هاشمياً مصطفوياً ، وفي هذه الفترة كان الأمير عبد الله حريصاً على استمرار بناء الجيش على أسس جديدة تأخذ بعين الاعتبار عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه وتم تشكيل كتائب المشاة الأولى والثانية والثالثة .
وفي عام 1943 وصل تعداد الجيش إلى حوالي 6000 رجل وأعيد تنظيم الجيش وانضوت قواته تحت ثلاثة ألوية بالإضافة إلى الكتيبة الرابعة وحاميتين ، واستمر الجيش بالتطور إلى أن وصل تعداده عام 1945 الى نحو 8000 جندي وضابط وكان منظماً في ست عشرة سرية مستقلة وقوة شرطة مؤلفة من ألفي رجل ، وفي الخامس والعشرين من أيار 1946 حقق الأمير عبد الله بن الحسين طموحات الشعب الأردني باستقلال البلاد وبويع ملكاً دستورياً عليها وظل جلالته يواصل مساعيه في تنمية الجيش وتعزيز الروح العسكرية فيه رغم الصعوبات التي كانت تواجهه آنذاك.
ظل الملك المؤسس يرعى الجيش العربي ويعمل على تطويره حتى بلغت قوته في أيار عام 1948 تتألف من أربع كتائب آلية وبطاريتي مدفعية وسبع سرايا مشاة ، وكان للجيش العربي مشاركته المشرفة في حرب فلسطين عام 1948 وقدم بطولات عظيمة تشهد عليها قوافل الشهداء التي لا زالت أرض فلسطين تنعم بنجيعها في القدس واللطرون وباب الواد وجنين وغيرها ، وعندما وجد المغفور له الملك عبد الله بن الحسين أن جبهة المواجهة مع إسرائيل أخذت تزداد وأصبحت أكثر اتساعاً دفعه ذلك إلى إعادة تنظيم سرايا المشاة وتشكلت الكتيبتان الخامسة والسادسة وتواصلت عملية النمو والتوسع في الجيش العربي .
ففي عام 1951 ضم فرقة تتألف من ثلاثة ألوية وأنشئت قبل ذلك بعام مدرسة للمرشحين لتخريج الضباط بما يتلاءم وحاجة الجيش المتزايدة إضافة إلى عدد من المدارس الفنية ومدارس الأسلحة لتدريب الضباط كما بدأت في تلك الفترة نواة سلاح الدروع والمدفعية والهندسة وبلغ تعداد الجيش عام 1951 ما يقارب 12 ألف رجل.
في العشرين من تموز من عام 1951 انتقل جلالة الملك المؤسس إلى الرفيق الأعلى لتنتقل الراية إلى الملك طلال بن عبد الله رحمه الله حيث كان الأردن واقعاً تحت ضغوط الاعتداءات الإسرائيلية ، وفي ذلك الوقت شكل الحرس الوطني وكان قوة احتياطية مهمة تقوم بمساعدة الجيش العربي في الدفاع عن ثرى فلسطين إلا أن الأقدار كانت محتمة حيث ساءت صحة جلالته ما أدى إلى تنحيته عن العرش لتؤول الراية الهاشمية في الحادي عشر من آب عام 1952 إلى المغفور له بإذن الله جلالة الملك الحسين بن طلال الذي سما بالجيش إلى معارج التقدم ، وجعله مفخرة للأردنيين لما يتصف به منتسبوه من انتماء واحتراف وانضباط وتميز .
ورغم ما كان يمر به الأردن من فترة عصيبة من حياته السياسية حيث استمرت حوادث خرق الهدنة وتبادل إطلاق النار وصّعدت إسرائيل من عمليات الإغارة عبر الحدود الأردنية ورغم ذلك فقد شهدت القوات المسلحة التطورات المتسارعة , فكان تاريخ الأول من آذار عام 1956 يوماً مميزاً في تاريخ الأردن المعاصر ويوماً يسجل بأحرف من نور في ذاكرة الوطن الخالد حين اتخذ جلالته قراره القومي والتاريخي بتعريب قيادة الجيش العربي لتكون القيادة عربية أردنية وتم الاستغناء عن خدمات كلوب باشا والضباط الإنجليز ، ويستمر التطوير في القوات المسلحة توّج بعد قرار التعريب بإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية للتخلص من بقايا النفوذ والسيطرة الاستعمارية والتدخل في الشؤون الداخلية للأردن.
واستمر الاهتمام بالجيش درع الوطن وحصنه المنيع وانطلقت يد الحسين بإعادة بنائه حيث أصدر رحمه الله عام 1956 أوامره بفصل الدرك عن الجيش وإلحاقه بوزارة الداخلية وعمل على الارتقاء بالجيش وقيادته تسليحاً وتنظيماً وتابع الحسين رحمه الله عملية بناء الجيش بدءاً بالتأهيل والتدريب واكتمالاً بالتسليح والتجهيز إلى أن وصل الجيش الى مصاف الجيوش الكبرى.
خاض الجيش العربي الأردني العديد من معارك الشرف والبطولة في العديد من الأقطار العربية خاصة على ثرى فلسطين الطهور , وهذا ليس بمستغرب على هذا الجيش الذي أريد له منذ البداية أن يكون جيشاً لكل العرب يحمل منتسبوه شعار الكرامة والعز والفداء وجاءت تسميته بهذا الاسم نتيجة للدور الكبير الملقى على عاتقه .
ولقد جاء على لسان جلالة الملك عبد الله الأول في التاسع والعشرين من أيار لعام 1944 ما يلي " بمناسبة استخدام الجيش العربي هذه الآونة في الأقطار العربية المجاورة وذيوع سمعته وأعماله الطيبة لدى الأمم المتحدة والحليفة وغيرها وتميزاً له عن جيوش الأقطار العربية الأخرى قرر مجلس الوزراء الموافقة على أن يطلق عليه اسم " الجيش العربي الأردني" ، ونتيجة لذلك كانت للجيش العربي مشاركاته المشرفة في العديد من معارك الشرف والبطولة ليس على مستوى الأردن فحسب وإنما تعدتها إلى فلسطين والجولان ومصر ومشاركة فاعلة ومشهود لها في الحروب العربية الإسرائيلية 1948، 1967، 1968، 1973 وقدم الأردن في سبيل ذلك الكثير من الشهداء الذين لا زالت الأرض العربية تنبض بدمائهم الزكية.
تسعون عاما على تأسيس الجيش العربي ..............................................
تعود نشأة القوات المسلحة الأردنية إلى نخبة المقاتلين من جنود الثورة العربية الكبرى الذين قدموا مع سمو الأمير عبد الله بن الحسين في 21/10/1920، فالجيش العربي هو جيش الثورة العربية الكبرى والمرتبط تاريخه بتاريخها ارتباطا عضويا ، وقد أطلق الشريف الحسين بن علي طيب الله ثراه على قوات الثورة عام 1917 اسم (الجيش العربي) ، وبعد ست سنوات أي في عام 1923 أطلق الأمير عبد الله ابن الحسين على نواة قوة إمارة شرقي الأردن الاسم نفسه ليظل هذا الجيش جيشا لكل العرب كما كانت الثورة العربية ثورة لكل العرب .
يمكن تقسيم مراحل نشأة وتطور القوات المسلحة الى أربع مراحل استنادا إلى أحداث مهمة شكل كل منها منعطفا في مسيرة القوات المسلحة الأردنية:
أ.
المرحلة الأولى , مرحلة التأسيس (1921-1948) تعود جذور الجيش العربي إلى بدايات عام 1921 حيث شكلت نواته من رجال الثورة العربية الكبرى الذين خرجوا مع الأمير عبد الله بن الحسين من الحجاز لتحرير بلاد الشام.
وشكل الأمير عبد الله أول حكومة وطنية في شرق الأردن في ذلك العام واعترفت بريطانيا رسميا باستقلال الإمارة.
وكان هم الأمير المؤسس أن يكون للإمارة جيش يحمي أرضها وشعبها خاصة وأن ظروف التأسيس كانت بالغة الصعوبة من حيث معاناة ما بعد الحرب العالمية الأولى وكان أول تنظيم للجيش على النحو التالي:
سرية الفرسان - سرية المشاة - فئة رشاشات - فئة لاسلكي - حرس سجون - فئة موسيقى ، وبلغ تعداد هذه القوة حتى عام1923(750) مقاتلا وسميت بالقوة السيارة وكانت أولى مهام الجيش توطيد الأمن والاستقرار في البلاد ، وفي أواخر عام 1930 بدأ الجيش العربي بتأليف وحدة عسكرية من أبناء البادية وتم إمداده بالسيارات وأجهزة اللاسلكي ونعمت ارض الأردن بالاستقرار والأمن الذي لم تشهده منذ مدة طويلة.
وفي عام 1933 تشكلت قوة آلية مكونة من ثلاث سيارات عدد رجالها ما بين هجان وراكب 120 رجلا ، وفي عام 1936 تم تشكيل قوة احتياطية أطلق عليها (قوة البادية الميكانيكية).
ب.
المرحلة الثانية:
مرحلة ما بعد الاستقلال (1948-1967) استمر الملك عبدالله بتطوير الجيش بعد أن بايعه عرب فلسطين بعد اجتماعهم في أريحا عام 1950 ملكا على الضفتين ، وفي تلك الفترة خاض الجيش العربي معارك الدفاع عن فلسطين وقدم قوافل الشهداء دفاعا عن ثراها الطاهر، وأصبح مكونا من ثلاثة ألوية ، وفي ذلك الوقت أنشئت أول نواة لسلاح الدروع والمدفعية.
وبعد استشهاد الملك المؤسس على باب المسجد الأقصى تولى الملك طلال سلطاته الدستورية حيث اهتم رحمه الله ببناء وتقوية الجيش العربي فتم تشكيل الحرس الوطني عام 1951 .
وعندما تسلم جلالة الملك الحسين بن طلال رحمه الله سلطاته الدستورية شرع ببناء الأردن القوي المنيع فكان من الطبيعي أن يوجّه جلالته أقصى اهتمامه لبناء الجيش العربي الأردني حيث بلغ عدد قوات الجيش في تلك الفترة 17 ألف جندي .
وكان قراره التاريخي في الأول من آذار 1956 بالاستغناء عن خدمات الفريق كلوب رئيس أركان الجيش وتسليم قيادة الجيش إلى ضباط من أبناء الأردن الأوفياء ، وشاركت القوات المسلحة الأردنية في حرب 1967 ، وقدم الجيش العربي 730 شهيدا من خيرة أبنائه الذين التحقوا بقافلة الشهداء الابرار ، فكان قراره التاريخي في الأول من آذار 1956 بالاستغناء عن خدمات الفريق كلوب رئيس أركان الجيش وتسليم قيادة الجيش إلى ضباط من أبناء الأردن الأوفياء.
وفي العام 1968 سجل الجيش الأردني أروع البطولات وأسمى معاني الفداء والذود عن أرض الوطن , اذ تمكن من إلحاق أول هزيمة بالجيش الإسرائيلي في معركة الكرامة التي رفض الحسين رحمه الله وقف إطلاق النار فيها حتى انسحاب آخر جندي إسرائيلي من الأراضي الأردنية.
جـ.
المرحلة الثالثة:
مرحلة التحديث والتطوير للقوات المسلحة (1973-1996) .
شهدت للقوات المسلحة في هذه المرحلة تطورا هائلا، فمع مطلع عام 1975 وضعت الخطط والدراسات لجعل القوات المسلحة جيشا مدرعا ميكانيكيا وذلك لمواكبة التطور المتسارع في المنطقة، وقد وضعت الخطط موضع التنفيذ في عام 1977 حيث شهدت وحدات المشاة تحديثاً ملموساً شمل الأسلحة المستخدمة لقوات المشاة ، وتجهيزاتها من حيث النوعية والوزن وملاءمة الظروف ، إضافة لتطوير وسائل التعليم والتدريب واستخدام الميادين التعبوية والإلكترونية لرفع مستوى كفاءة الأفراد القتالية بالإضافة إلى استعمال المعدات الليزرية في التدريب والتأهيل .
وقد استمر سلاح الجو الملكي الأردني بالتطوير وتحديث أسلحته من مختلف المصادر كان آخرها عندما توجت جهود جلالته رحمه الله بالحصول على طائرات (إف16) المتطورة وشيدت كلية خاصة لتدريب الطيارين الأردنيين.
وخطا سلاح الهندسة الملكي الأردني خطوات هامة في هذه المرحلة حيث زود بالتجهيزات والآليات العسكرية اللازمة.
كما تم تشكيل العديد من وحدات المدفعية الجديدة وتزويدها بأفضل أنواع الأسلحة والذخائر.