حكومات يا رعاها الله أضاعت البلد

 

 

    لماذا الإصرار على أن تكون هذه العينة تحديدا في مواقع المسؤولية التنفيذية الأولى في البلاد على شاكلة رؤساء وزارات،  ووزراء، وما هي الشرعية التي تنقلهم إلى ممارسة الصلاحيات باسم الشعب الأردني، وهل يستحقون أن يدفع الأردنيون رواتبهم، وامتيازاتهم ما داموا لا يخدمون هذا الشعب  ولا يحققون مصالحه، وطموحاته العادلة، وهو مصدر الشرعية السياسية الأولى، وهذا الوطن وطنه، واليوم توحشت المؤسسات فلا يجد المظلوم من ينصره ، ويغلق هؤلاء الذوات في وجهه أبواب وطنه، حتى ليكاد الأردني يكفر بالأردن.

هؤلاء لا فائدة ترجى منهم، وسيدفع الأردن ضريبة سياسية قاسية لوجودهم في مواقع المسؤولية، وهم الذين ما دأبوا يفقدون الأردني انتماءه، ويوصلونه إلى طريق مسدود في الوطنية، ويشكلون برواتبهم، ومياوماتهم، وسفراتهم، وصورهم الإعلامية اكبر استفزاز للأردنيين، ذلك أنهم ابعد ما يكونون عن نبض شعبهم، ولم تفرزهم الانتخابات، وإنما اعتلوا ظهر هذا الشعب في إطار لعبة المصالح التي ترفع من تشاء وتخفض من تشاء ، وشرعوا في إذلال الأردنيين بلا واسطة، والترفع عليهم، وأغلقوا في وجوههم أبواب المكاتب الرسمية ، وعمدوا إلى توظيف السلطة في خدمة الأولاد، والأحفاد، والشلل، والأصحاب حتى مرمروا عيشة هذا الشعب، وبات يستقبلهم بهتافات السقوط، فضلا عن الدعاء إلى الله أن يخلصه من رؤية وجوههم العابسة.  

فهؤلاء لا يمثلون سمات المسؤول الصالح الذي يخدم شعبه، ويوصل الحقوق إلى أصحابها، وإنما شكلوا حاجزا إسمنتيا صلبا بين الناس وحقوقهم، ولم يعد الأردني يجد جهة تنصفه، أو تراعي مصالحه فبات غاضبا ناقما. ولقد زادوا في منسوب الغضب الشعبي الذي ما يزال يترفق بالأردن مقارنة مع دول الإقليم. فالأردنيون محبون لهذا الثرى، ولكنه أصبح وطنا مرا بفضل زمرة من أصحاب الدولة، والمعالي، والعطوفة، والسعادة ممن يركبون على هامة الأردنيين، ويحكمونهم بغير العدل والإنصاف، وليس هنالك من مؤشرات تدل على تغير الصيغة التي تنقل أفراد الطبقة السياسية إلى مواقع القرار دون مؤهلات سياسية تذكر،  فضلا عن انعدام واضح للمسؤولية الإنسانية في ممارسة الحكم التي تتقدم على ما سواها.

والوزراء يجب أن يكونوا تجسيدا حقيقيا لإرادة الشعب، وان يعكسوا طبيعة الشخصية العامة بانتمائهم، وسلوكهم السياسي، تألفهم الناس، ويحبون مواطنيهم، ويحرصون على رضاهم حتى تستقر الدولة، وتتولد المشاعر الوطنية الجامعة، وإلا تحولت مؤسساتها وأصحاب الألقاب فيها إلى جهات ممقوتة شعبيا، ومصدر زعزعة للأمن، والاستقرار.

والأردنيون لا يطلبون سوى توفر مسؤول صالح يحافظ بوجوده على إبقاء القنوات الرسمية مفتوحة مع المواطنين كي يشعر الأردني بالاطمئنان فوق ترابه الوطني. غير أن المسؤول الأردني صغر ام كبر ما يزال رغم خطورة الأوضاع في الإقليم يصم آذانه عن الشعب، ولا يفتح للناس قلبه ، ولا يخشى على الدولة من الضياع، وما يزالون يصرون على البرستيج حتى المدراء منهم، وان يبقى الأردني بحاجة ماسة إلى واسطة توصله إلى مكاتبهم، وحقوقه التي توزع حسب أهوائهم، وتواقيعهم، حيث لا يسع المواطن الأردني أن يستقبل بحد ذاته في مكاتب هؤلاء الذوات المتضخمين.

ولان سحبوا رصيد الولاء، والانتماء من قلوب الأردنيين، على خلفية إمضائهم مددهم الدستورية باستنزاف القاعدة الذهبية للنظام فلقد افشلوا المشروع الوطني للدولة الأردنية من قبل، وقد أضاعوا الجنوب حتى وجد اشد الناس ولاء لهذا البلد نفسه حاسرا من مشاعره الوطنية، ولم يعد يخشى على وطنه من الضياع، ولا يجد في الفوضى بدا إذا ما امتدت إلى المنجز الأول للنظام الأردني المتمثل بالاستقرار.

هؤلاء يتحملون مسؤولية التداعيات الخطرة التي قد تمس البلد، فهم لم يتعلموا من دروس هذه الأيام. ولقد حولوا هذا البلد الجميل الذي بني بدماء ، وأرواح،  ومعاناة الأوائل إلى جهة للظلم والإقصاء، وهدروا الصلات العظيمة التي كانت تربط الأردنيين ببلدهم. وإن ذممهم مشغولة بالاضطرابات التي تعتمل بقلوب الأردنيين قبل شوارعهم، والتداعيات الخطرة ما تزال تبحث عن تجليات لها في الواقع.

وهذه الفرصة الأخيرة يهدرونها نظير ذواتهم المتضخمة، وهم لا يحرصون على البلد، واستقراره، ويبددون حتى الانجازات الأمنية التي تحققت بالحفاظ على الحراك الشعبي في إطاره السلمي. هم العبء على الحياة السياسية الأردنية وهذا مدعاة لان تعود العملية السياسية إلى أصولها الشعبية، والى اللحظة التي تختار فيها الناس المسؤولين ممن تحملهم فقط إرادة الشعب إلى مواقع المسؤولية، وكي يكونوا محكومين بهذه الإرادة  .

قد كان الأردنيون غلاة في الوطنية، وكان الأردن يتقدم على فلذات الأكباد، وتمكنوا يا رعاهم الله من تجريد الأردنيين من حقهم في الحياة الكريمة، ففقدوا طعم وطنهم، وصاروا غرباء أمام توحش المكاتب الرسمية التي غدت أملاكا خاصا للمسؤولين، وغدا سنبكي على الأردن ولات حين مندم.

 

علي السنيد