كم توحّشنا ...!!

ما ان تخرج من صناديق الاسمنت حتى تتحرر منك.أنت المخنوق بربطة العنق.المشدود من اولك الى آخرك بحبال من وهم .مشدوه البال، مشتت النظر، تعرف اين أنت الآن لكن لا تعرف اين تكون غداً .لا شيء ثابت سوى المتغير .العالم يدور بسرعة جنونية، ولولا الحياء لقال العقلاء، كما قال احدهم :اوقفوا هذه الارض أريد ان أنزل !

لتشعر انك حر عليك ان تتحرر اولا منك.أن تخلع حذاءك اللامع ونظارتك المعتمة، بدلتك الرمادية ،و..أقنعتك التي تضطر ان تغيرها حسب الظروف والمقابلات والمناسبات .قديما قالوا «لكل مقال مقام» ،اما اليوم فلكل مقام قناع !

تترك المدينة لحالها ولأزماتها. تدير محرك سيارتك وتنطلق الى ... لا يهم الى اين، فالباقون في اماكنهم ايضا لا يعرفون الى اين هم ذاهبون، لا احد يعرف .فالذي يتحكم في مصير العالم من البيت الابيض «لا يعوّل عليه» .هو أيضا ربما لا يعرف. ويتباهى انه يغير مواقفه من قضايا تقرر حياة ومصير الملايين كما يغير احذيته وأنه «الرئيس» المنتخب ومن حقه ان يسيّر العالم على هواه .

هل عاقل من يضع جميع المسلمين الذين يبلغ تعدادهم 1.6 مليار، ويشكلون حوالي 24 في المئة من سكان العالم.. في مصاف الإرهاب؟ وهل من المنطق محاولة عزل منطقة كاملة من العالم، باعتبارها بؤرة للموت، ولا بد من إبادتها، ومنح تصاريح حياة للبعض دون الآخر؟

لا عليك، فإنك لا تستطيع ان تغير شيئاً .لا تدر مؤشر الراديو الى محطة اخبار .لن تجد ما يسر .وان كنت جاداً في الحياة لا تتصفح المواقع الإخبارية .فسوف يصدمك خبر شاب انتحر، او فتاة شنقت نفسها، أو شقيق قتل شقيقه، أو اب قتل ابنه، أو رب عائلة سكب الكاز على بناته ليحرقهن لينجيهن من قسوة الفقر وضيق ذات اليد .

لقد اصبح مجتمعنا متوحشاً بضراوة .القتل ليس من قيمنا ولا الانتحار اسلوبنا لمواجهة مشاكل الحياة .ولا الرذيلة من اخلاقياتنا .فقد استقبلت احدى المؤسسات الاجتماعية منذ بداية العام، أي خلال شهرين وثمانية ايام 34 طفلا، 3 أطفال لقطاء(ذكر وانثيين) و8 مجهولي النسب-معروف الام وغير معروف الاب- (4 ذكور و4 اناث) و23 طفلا ضحية للتفكك الاسري ( 10 ذكور و 13 انثى).

أما عن الانتحار فتفيد الارقام أن «العام 2016 شهد أعلى عدد حوادث انتحار في تاريخ المملكة، ذهب ضحيتها 117 أردنيا». وتنوعت الحالات بين «إطلاق نار وحرق وشنق وشرب سموم وتناول كميات كبيرة من الأدوية، والقفز عن مرتفع».

انطلق بسيارتك الى حيث لا سيارات تقاتل سيارات، ولا سائقات يزاحمن السائقين على اولوية المرور ، ولا أن تقطع المسافة من اربد او الكرك الى عمان في ساعة بينما يتطلب الامر منك ان «تزحف»من «عمان ترحب بكم» الى وسط عمان ساعة ونصف الساعة او ساعتين في وقت الذروة !

في الطريق من عمان الى أي جهة لا تسرع، تمتع بالاخضر الممتد على مد النظر وبالزهر الذي شقّ الارض واطلّ بالوان قوس قزح .انس من انت وكن فقط ابن هذه الارض الطيبة .