"البرجوازي المتمدن"

 هذا هو عنوان مسرحية موليير الشهيرة، وتتلخص هذه المسرحية في أن أحد الناس المتوسطين اغتنى حديثاً، فأصبح لا يحلم إلا أن يندرج في طبقة الأشراف، ولكي يستعد للجلوس مع النبلاء بدأ يتلقى دروساً في الفلسفة والأدب والفلك والموسيقا والرقص ولعب السيف، ولكنه لغبائه استأجر لتعليمه أساتذة لا يعرفون من هذه المواد إلا أسماءها. هكذا حدث مع أحد الشباب الذي لما يمض على وجوده في الإمارات سوى يومين اثنين، عندما هاتفني قائلاً لي أريد أن أراك، ولكن بعد أن آخذ( شاور) ونسي أن أمه كانت تحممه في لجن الغسيل، أما النموذج الآخر فمن أجل أن يظهر اعتداده بنفسه، فإنه يكلمني بلهجة مدنية خالصة، ويضمنها العديد من الكلمات الإنجليزية، خاصة حينما تحل الذكرى السنوية لميلاد زوجته، وهي بالمناسبة( لا محضر ولا منظر) وينسى أن أمه ولدته تحت شجرة زيتون في راس العين. وحين تسأله من أنت.. يجيبك بغطرسة: أنا أعمل في شركة كذا، وأهداني صاحب الشركة نظارة شمسية دلالة على مودته لي، وأرتدي ربطة عنق، وقميصاً من حرير، فيما أمه وأبوه يتلويان من شدة الجوع في الضفة الغربية.

 وفي إحدى المرات حين كانت الأفكار والمفاهيم الثورية رائجة في منطقتنا، سألت أحد الكتاب .. ما الذي يعجبك في الطبقة البرجوازية؟ فأجاب: التواصل فيما بينها، وعدم وجود حلقات مفقودة أو ضائعة، بمعنى أن ابن التاجر يعمل في المستقبل تاجراً، وحفيده تاجراً أيضاً، وابن الطبيب وحفيده وكل عائلته أطباء، أما أن يكون الأب رجل أعمال والابن يضيع الأموال في تعاطي المخدرات، وينقلب إلى متسول منبوذ في الشوارع فهذه الحالات لا تحدث إلا في الأسر حديثة النعمة، أو تصل الأمور في الابن إلى أن يشتم أباه، وفي الأقارب المقربين إلى أن يحملوا الضغائن والأحقاد لبعضهم بعضاً، فذلك لا نجده إلا عند الذين استبدلوا كلمة الحمام بالشاور، أو عند المتفذلكين الذين يخاطبون إنساناً قروياً بسيطاً من أمثالي بكلمات أجنبية. هذا لا يعني أن اللغة لا تتطور لتواكب روح العصر، أو أن علاقات الأهل مع بعضهم ينبغي أن تتسم بالخضوع والاستبداد كما كان سائداً في الماضي، ولكن ألا نتنكر للغة ذاتها التي تحتوي على مفردات جميلة، وألا نتنكر لأصولنا وأهلنا وآبائنا وأمهاتنا بحثاً عن أنساب وأحساب جديدة، ونظن أنفسنا نجوماً في المجتمع، ونحن في الحقيقة لا نعرف من النجومية إلا اسمها، كما أن الرفاهية في العيش، والتأنق في الكلام، لا يوفرهما المال وحده، أو الانتقال في العيش من القرية إلى المدينة، بل ربما يكون الكلام الفطري البسيط النابع من القلب، أكثر مصداقية وجمالاً من المغالاة في التقليد، ومحاكاة الآخرين الذين لا يمتون لنا بصلة.