مداد قلمي منتهي الصلاحيه



عجبا مازالوا يقولون لي اكتب عن معيشتنا وحياتنا وما اصبحنا فيه
عجبا ان الناس ما زالوا يثقون يثقون بقدرة الحبر على شفاء أرواح البشر، وترميم انهيارات حياتهم) أفكر في ذلك القارئ الغامض المتطفّل الذي يتسكع هناك.. تحت سماوات الحياة الحرة الكريمة. أفكر في ما سيراه خلف كلماتي المريضة الطائشة، في ما سيقرأه بين إشاراتها وفواصلها، في مذاق الموت ورائحة دخان الجنون، أتخيله جالساًَ تحت سماء الحياة المفتوحة، يزمّ شفتيه وعينيه ويتمتم في داخل عقله المحايد البريء: «ما الذي يكتبه هؤلاء البشر الغامضون؟!.. وهل تغيير اسلوبي تفهمه حكومتنا
فانا ارى هذه المل التي اسموها بشرا لكأنهم يُمضون حياتهم كلها في البحث عن جملةٍ أشدّ سواداً ...لتأبين الحياة!.
حقاً... ما الذي فعلته، بحياتي ، مالذي فعلته بهذه الأطنان من الكلمات والأوراق وسموم الحبر؟!..طوال هذه السنين وأنا أعيد اكتشاف الحقائق الأولى: أحاول أن أثبت (لمن هم هنا.. فوق سقف الظلام أو تحته) أن العبودية عارٌ على الإنسان، والذل عارٌ عليه، والشقاء عار، والتيئيس عار، وترويض العقول، وإقفال سماوات الحياة، وإعدام شهوة الإنسان إلى النور.. عار.طوال الحياه عاراً.... وأنا أحاول أن أثبت أن العار: عار... وأنا أحاول اختراع البديهيات.......................
والآن، وقد تبدّد كل شيء، ولم يبق لي من أدوات الأمل سوى الدخان والندم وغبار الأنقاض،: سألتفت إلى حياتي.سأفكر في نفسي، في ما فعلتُه طوال عمر التعاسة والأوهام وضلالات الحبر. أكتشف (كما لو أنني صحوتُ لتوّي من كابوسٍ أزليّ)
أنني، فيما كنتُ أعقد الآمال كلها على القصائد وأحابيل الكلمات، كنت كمن يمضغ «عِلكة» قديمة.. مستهلكة.. لم يعد لها حتى مذاقُ جلودِ الحيوانات.أفكر في ما فعلت: في الحصاد الأسود الذي تراكمَ أمامي وخلفي كجبالٍ مصنوعة من الظلام وحبر الكوابيس.أفكر في ما عقدتُه من الآمال على زبدٍ أزرق كنت أوهم نفسي أنني قادر (به وبأوهامي) أن أعيد العافية إلى نسيج السماوات.
أفكر في ما ضاع من حياةٍ لم يعد ما تبقّى منها كافياً حتى لإعداد المزيد من المراثي..وتأبينِ جثامين الموتى.أفكر في ما فعلت!
.أعمارٌ بكاملها أُريقت، لنكتشف أخيراً أن الحياة التي نسعى خلفها تتطلّب في كثيرٍ من الأحيان التضحيةَ بالحياة ذاتها. وهكذا تبدّدت الحياة بعيداً عن الحياة، دون أن يخطر لي للحظةٍ واحدة أن أسأل نفسي:أين هي حقوق الإنسان في الجمال والفضيلة والحب و السعادة والأمل؟.
أين هي حقوق القلب، والأصابع، والعينين، والضمير، والعقل؟.
. أين حق الإنسان في أن ينتسبَ (تماماً كما تنتسب الدودةُ أو الفراشة أو الحرذون) إلى قبيلة جدّه الإنسان ؟!..
أحقاً أنه لم يعد في وسعنا أن نأمل؟.. لم يعد في وسعنا أن نلتفت إلى ما تبقّى من جمالٍ يشيخُ وأحلامٍ تتفتّت؟..
أحقاً أن أعمارنا كلها تبددت هكذا: على إعراب القذارة، وشرح الألم، وتفنيد بشاعة الظلام؟..
أحقاً؟.... حقاً..............
.لكأنما، داخل هذا القفص الجهنميّ، تحولتْ حنجرةُ الشاعر إلى آلةٍ للصراخ، عوضاً عن أن تكون آلة للتغني بالحياة وتمجيدِ العدالة والاحتفاءِ بالجمال والحب وآمال الناس.تحولت الأقلامُ والقلوب إلى عُدّةٍ للغضب والجنون، ليس لأن الشاعر يريد أن يكون عوّاءً أو هجّاءً أو غرابَ موت،........ بل لأن الحياة صارت تضيق أكثر فأكثر.. حتى تحولت إلى ما يشبه قبراً للغرباء مشلوحاً في صحراء كابوسيةٍ مسوَّرةٍ بالليل. فإذن، ما الذي سنفعله بحياتنا؟.
ما الذي سيفعلونه بها وبنا.. إذا كانت هذه حصتنا الخالصة من القصائد والكوابيس؟! .. كأنما لم يبق أمامنا، في مهبّ هذا الجنون الضاري، غير أن نحلم باستبدال جيناتنا وقلوبنا وأرواحنا وألسنتنا وأدوات أحلامنا.. فيما نحن نرفع غصّاتِنا قوسَ قزحٍ أسودَ ينتصب كالمقصلة بين سقف الأرض وسقف السماء !...و إلى متى سيستمر كل هذا؟.. كل هذا الجنون، وهذا الغضب، وهذه الشكوى؟..إذا كانت القصيدة او المقاله عاجزة عن التبشير بالأمل.. وترميمِ الشروخ في عمارةِ الحياة المتهالكة؟.. كيف لنا، على منصّة الموت، أن نتمكن من مصالحة الحياة؟.. بأية أرواحٍ مثلومة وعقولٍ دائخة .. سنواصل هذا الماراتون الهمجي؟..كيف لنا أن.......؟..أم ترانا سنستمر في الجري خلف هذه الأكذوبة الضارية، ونواصل الأمل بالقصيدة؟.. بعد هذه السنوات من عمر الخيبات .. نكتشف أن االمقاله لم تكن إلا سمّاً مطيّباً وأملاً زعافاً، فيما نحن نحلم أن نستخلص من هذا السم مادة للحياة. نأمل أن نحوّل المقاله إلى لقمةٍ... وبيت امن وحياه كريمه وهواءٍ نظيف .. وشرشفِ سعادةٍ وجمال وحب: نأمل أن نجعل المستحيل ممكناً.
ونأمل أن نقبض على ثمرة السراب !... نلاحق طرائد الحياة بلا أسلحة، ولا حجارة، ولا أذرع. نلاحقها بطلقات الأمل، وشهقاتِ القنوط، ورنينِ القصائد، فيما نحن نعضّ على قلوبنا من الندم: الندم على أننا صدّقنا أننا بشر أو شبيهون بالبشر؛.... الندم على أننا ما نزال نثق بقدرة الحبر على صناعة العجائب وهي كما قال وزير الاشغال بمعالجه الشارع لسنا عصا سحرية ؛ الندم على أننا ما نزال قادرين على السقوط في كمائن الأمل ...« ما الذي نريده إذن؟...
نريد أن نحيا... لا أن نكون أبطالاً. أن نكون بشراً تحت سماوات عادلة.... لا أوثاناً مريضة منصوبةً لتمجيد البغضاء والجنون وشهوات الموت.أن نكون طُلقاء كالفراشات، كالنمال، كقطعان النحل الشاردة خلف أهوائها، مأخوذةً بعطر الجمال.. ورحيق الحياة الكريم.
وأن نكون قادرين على الحب تحت لحاف الحياة الشائك، وسماواتها الكتيمة، وهوائها المر، أن ننسى الغبن، ونبتلع الغصات، ونواصل شفقتنا على الحياة بلا ضغينة.... ولا شكوى.. ولا ندم، أن نتقلّب في فضاء أحلامنا كبشرٍ بأجنحةِ قديسين، أنقياءَ كما ولدتْنا أمهاتُنا في صبيحة الحياة الأولى: عراةً، لطفاء، ودودين، يلتمع على جباهنا ندى السعادةِ .. والأملِ.. ورضا الإنسان. نريد الحياة لأجلها...: نريد الحياة . ..................... لكن.. مالي أواصل الجري خلف طرائد الأحلام؟..: من سوء طالعهم أننا، حتى الآن، لا نعرف كيف نموت
...