يمكنك أن تدوس الأزهار لكنك لن تؤخر الربيع!
كلمة قالها أحد ثوار ربيع براغ، الثائر دوتشك: يمكنك أن تدوس الأزهار لكنك لن تؤخر الربيع!.
سقطت بالأمس على رأسي هذه المقولة الذهبية، وأنا أرقب احتفال أبناء اليمن برحيل الطاغية، الذي حاول طيلة نحو أربعة أشهر أن «يسحق» زهور وزهرات الثورة، أملا في إلغاء الربيع لا تأخيره، وهكذا فعل طاغية ليبيا القذافي، الذي بدأ يلفظ أنفاسه الأخيرة هو الآخر، ولكنه يحاول اقتلاع أزهار الربيع أملا في شطب اسم الربيع من القاموس، ولكن زهوره تتكاثر كالفطر في سهول وهضاب وشواطىء وصحراء ليبيا وكما في ليبيا واليمن حيث شقت الأزهار الصخور، وأينعت وأورقت، وفاح عبيرها في بلاد الدنيا، ثمة زهور يغذيها الدم في سوريا، تشق طريقها للهواء الطلق، كي تخرج إلى النور وتملأ الأفق بعطرها الفواح، الذي يتسلل إلى الأنوف في أركان الدنيا الأربعة، كي يشمها المتشوقون للعبير الطيب، بعد أن أزكمت أنوفهم روائح العفن والرطوبة والقهر!.
قصة الربيع، وأزهاره التي تأبى إلا أن تتنفس رياح الحياة، تمثلت أيضا في واقعة طريفة شهدتها إحدى الدول العربية، ففي يوم الجمعة الماضي، سلطت إحدى الصحف الضوء على واقعة فصل أحد الأطفال المصريين من كافة مدارس دولة عربية بسبب سؤال معلمته «لماذا لاتعملون ثورة فى بلدكم» التلميذ المصرى ابن العشر سنوات باسم فتحى والذى يدرس فى الصف الخامس الابتدائي تلقى إجابة عن سؤاله، بفصله نهائيا من مدارس التعليم العام الصباحية والمسائية!.
الأب الذى يعمل مدرسا بإحدى جامعات ذلك البلد صعق فور تسلمه القرار من ابنه الصغير، وعندما توجه للمدرسة فى اليوم التالى لمعرفة سبب القرار منحته إدارة المدرسة عددا من التبريرات التى كان مفادها أن ابنه الطالب باسم يحرض على قيام الثورة!.
وقد فشلت كل المحاولات التى بذلها الأب لإقناع إدارة المدرسة بالعدول عن القرار، وأن ابنه مجرد طفل لا يفقه معنى كلمة ثورة، وهو يقلد ما يشاهده في وسائل الإعلام وموجات التظاهرات التي تعم أجزاء من الوطن العربي، تقول الصحيفة وهى توضح معاناة هذا الأب فى الحصول لابنه على عفو عن جرم لم يرتكبه، أنه بعد فشله فى إقناع إدارة المدرسة قام بالتوجه إلى منطقة العاصمة التعليمية وقابل مديرتها التى أفادت بأن قرار الفصل نافذ لا رجعة فيه فلم يجد الأب أمامه سوى التوجه لوزارة التربية والتعليم حيث قابل الوكيل المساعد الذي أفاد أن القرار أتى بناء على مذكرة تفيد بأن الطالب «باسم « يحرض على إشعال ثورة بين أوساط الطلبة، ولأن القرار قد تزامن مع نهاية العام الدراسي مما سيحرم ابنه من سنة دراسية كاملة بناء على تقدير خاطىء من قبل معلمته، قدم الأب التماسا للمسؤولين بمكتب وزير التربية والتعليم إلا أنه لم يصل لأى نتيجة، كما تدخلت السفارة المصرية لمعالجة الموضوع لكنها لم تفلح فى ظل إصرار الوزارة على قرار الفصل!.
ولم يتبق أمام الأب وابنه سوى التعلق بالأمل فى أن تنظر الإدارة القانونية فى التظلم الذى رفعه إليها أن يتم إنصاف ابنه و إلغاء قرار الفصل استنادا إلى تفهم ظروف هذا التصرف «الطفولى « الذى لم يقصد به ابنه الطالب أي سوء، ويبدو أنه تمت إعادة الفتى إلى صفه، كما علمت فيما بعد!.
الربيع قادم، وقد علمتنا أزهاره وأشجاره أنها لا تعرف اليأس، وثمة نباتات تقطعها من الجذر، وتحرقها، ولكن جذرا واحدا يستطيع أن يعيد بناء كل ما سُحق، ويستأنف الحياة!