ساعة الصفر
من القضايا محل الإجماع في أوساط السياسة، أن حالة الاستقطاب التي عاشتها الدولة قبل سنوات وما تزال بعض آثارها حتى اليوم، من أكثر ما شكل عبئا على المسار الإيجابي للدولة، وأدخل مؤسساتها في استقطابات وصراعات حاول البعض أن يجعلها معارك وطنية بينما هي معارك أشخاص وصراع على النفوذ.
ومما ساهم في تعزيز الآثار السلبية، إعطاء تلك الاستقطابات كامل وقتها لتنخر في جسم الدولة، ولتتحول إلى عامل يصعب التخلص منه. وكانت تلك الصراعات الباب الذي تم فتحه لأنواع من الفساد في العمل السياسي، واستغلال رديء لبعض الإعلام. ومن خلال هذا تمت استباحات أشخاص ومؤسسات، وكسر حواجز سياسية ووطنية وأخلاقية.
واليوم، ونحن على أبواب مرحلة سياسية جديدة ونريد أن ندخل إلى الإصلاح من أبواب وطنية تحقق الأهداف التي تخدم الدولة، فإن أول ما نحتاجه أن تقود الإصلاح حالة سياسية أردنية على أعلى درجات الانسجام والتوافق، وبلا أي تباين من أي نوع.
وليس سرا القول إن جزءا كبيرا من المادة السياسية والإعلامية التي تم إغراق "السوق فيها" خلال السنوات الأخيرة، كان ناتجا عن المساحات الفارغة الناتجة عن الخلاف والشقاق بين الأشخاص، الذي كان يظهر تباينا بين مؤسسات مفصلية في الدولة، وكان الخاسر الوحيد هو الدولة وقوة مؤسساتها وهيبتها التي تحولت إلى حكايات وقصص للاستعراض وكسب الأنصار هنا أو هناك.
لن نبقى أسرى ما مضى رغم أننا نكتوي بناره حتى الآن، لكننا نريد أن ندخل مرحلة قوية، وأن تقود مؤسسات الدولة المفصلية الإصلاح بأداء محترف وقادر. ولهذا، فإن العنصر الأهم بعد التوافق على التشريعات ووضع أجندة المرحلة، أن تكون البنية السياسية للدولة، أي المؤسسات الدستورية، منسجمة ومتوافقة جدا إلى حد التوحد، وأن تقودها عقلية حاسمة وحازمة تعلم الثمن الذي ستدفعه الدولة لأي خطأ، وتقرأ المرحلة الحالية والقادمة، وتمتلك تفاصيل دقيقة للساحة الأردنية وأولوياتنا الوطنية.
ومعيار الانسجام والأرضية التي نبني عليها تحقيق الغاية هو الدستور والأعراف السياسية الأردنية التي تعطي لكل مؤسسة حجمها ودورها، وأن لا يكون الحرص على تنفيذ الدستور مدخلا لتهميش أي مؤسسة أو من خلال إيجاد الحواجز بين المؤسسات.
وإذا تجاوزنا كل أشكال الدبلوماسية، فإن الواقع الحالي فيه الكثير من الخلل، وهناك ثغرات بنيوية وأساسية لا يمكننا بوجودها أن ندخل المرحلة المقبلة. ولأننا ممن يؤمنون أن الأردن أولا، وأن الدولة القوية هي أول الإصلاح وجذره، فإن الأثمان التي قد ندفعها لأي جراحات سياسية أقل بكثير من أي ثمن تدفعه الدولة من قوتها واستقرار مؤسساتها وحالة الانسجام بين عناصرها ومؤسساتها. ومن المؤكد أن ساعة الصفر حانت.
ربما يكون موعدا مناسبا لوضع الأجندة الزمنية للخطوات وبناء حالة سياسية قوية منسجمة لإدارة المرحلة الإصلاحية المقبلة، هو هذه الأيام الوطنية التي نعيشها من ذكرى الاستقلال وعيد الجلوس الملكي ويوم الجيش. ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن الدولة بحاجة إلى انطلاقة واضحة المعالم، عنوانها الإصلاح الذي لا قيمة لأي تعريف له إذا لم يشمل قوة مؤسسات الدولة وانسجامها.