ماذا يريد ترامب من العرب..؟!

الاخبار التي تصلنا من واشنطن تبدو –للوهلة الأولى- مشوشة، وأحياناً متناقضة، لكن حين ندقق فيها نجد انها مربكة وصادمة، والأخطر أنها تصب في مسار واحد لا غير وهو خدمة تل أبيب على حساب عالمنا العربي بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

عشية اللقاء الذي جرى بين ترامب ونتنياهو أعلنت واشنطن «وفاة» حل الدولتين؛ ما فتح المجال أمام تل ابيب – في غياب موقف فلسطيني قوي وظهر عربي معتبر، ان تباشر خطتها لتصفية القضية الفلسطينية، سواء عبر حل الدولة الواحدة او البحث عن الوطن البديل، في موازاة ذلك كان «المطبخ» الأمريكي انتهى على ما يبدو من تصميم «ناتو» عربي جديد لمواجهة المدّ الإيراني تحت اشراف امريكي وبالتنسيق مع إسرائيل.

وضع الخبرين في سلة واحدة قد يحمل وجهاً للتعارض، اذ كيف يمكن ان تقنع واشنطن بعض حلفائها العرب بإسقاط حلم «الدولتين» الذي كان أساساً للمبادرة العربية للسلام ثم القبول بما يترتب على ذلك من نتائج تمسّ الامن العربي وتذكي نيران الإرهاب الذي يتغذى على مظلومية الشعب الفلسطيني، ثم تغريهم بالمشاركة في «حلف» عسكري ضد إيران لمواجهة نفوذها في المنطقة او مواجهة التنظيمات الإرهابية التي تعتبر – هي الأخرى-ولو نظريا إيران «الروافض» اعداءً لها؟.

حين ندقق في الصورة، وفق منطق «الصفقة» الذي يحكم ترامب في سياسته ومقرراته يبدو التعارض مجرد وهم او حكما متسرعاً على الأقل، لأكثر من سبب، أهمها ان عالمنا العربي أصبح بلا «وزن» في ميزان المحافل الدولية، وبلا مشروع واضح، وبالتالي فإنه مجرد «مستقبل» لما يأتيه ومضطر للقبول به، ثم ان القضية الفلسطينية التي كانت على «اول» قائمة أولوياته تراجعت، وأصبحت مشكلة فلسطينية فقط، وباستثناء الأردن الذي يعتبر –لأسباب مفهومة- حل القضية الفلسطينية مسألة وطنية لها علاقة بوجوده وأمنه، فإن العرب استقالوا من هذه الوظيفة، ثم ان المبادرة العربية التي انطلقت من قمة بيروت، لم تعد صالحة للاستعمال، والآن فإن ما يجري بعد لقاء «ترامب» لنتنياهو هو محاولة «لقلب» هذه المبادرة بحيث يصبح التطبيع العربي مع إسرائيل أولوية ثم تكون التسوية للقضية الفلسطينية نتيجة لهذا التطبيع، وربما لا تكون ، وبالتالي فإن المقايضة المطروحة تبدو مفهومة في سياق ما جرى في عالمنا العربي من مستجدات وفي العالم – وامريكا- من متغيرات، خاصة على صعيد إعادة هيكلة الأدوار وترسيم الحدود وتقسيم مناطق النفوذ.

عند هذه النقطة بالذات لا بد من ملاحظة مسألتين: احداهما أن موقف العرب من إسرائيل كعدو قد تراجع لحساب ايران كعدو مشترك للجميع، ربما ساهمت السياسة الإيرانية في ذلك من خلال «تغول» دورها في المحيط العربي بحيث أصبح العرب ينظرون اليها كتهديد لأمنهم وربما وجودهم، لكن الحقيقة الأخرى هي ان مصلحة إسرائيل اولاً تكمن في تغذية الصراع السني الشيعي، وادامة الحرب في المنطقة تحت لافتات مذهبية وطائفية من اجل تنصيب تل ابيب شرطيا على المنطقة.

أما المسألة الثانية فهي ان أمريكا –ترامب- تتعامل مع العالم بمنطق «البزنس» والصفقات التجارية، ومن هنا فإن ما تكسبه من التحالف ضد ايران افضل واكبر من الاستمرار في دعم طهران وفق الصفقة التي عقدها أوباما +5 معها قبل عامين، ذلك انه من المتوقع ان يقوم تحالف «الناتو» العربي الجديد بمهمة مواجهة ايران من خلال الدخول في حروب داخل»الملّة» الواحدة ، سواء في اليمن او سوريا او لبنان او العراق، تارة باسم مكافحة «الإرهاب» وتارة باسم إعادة الشرعية او الدفاع عن الأغلبية السنية، وكل ذلك بالتنسيق مع واشنطن وتل ابيب، دون ان تخسر الدولتان أي شيء.

وفق هذا التصور المفزع فإن ما يريده ترامب من عالمنا العربي يتجاوز شطب القضية الفلسطينية، إلى تأميم المجال العربي ليصبح ممرا آمناً لتل ابيب، ومنطلقاً لتصفية النفوذ الإيراني والنفوذ العربي، او ما تبقى منه، معاً، وبالتالي فإن حروب المنطقة ستستمر فيما ستكون إسرائيل «المتنصر» الوحيد والفائر الأكبر من هذه الصفقة التي ستستنزف إيران والعرب معاً.