السّؤال في وادي زقلاب والجواب في وادي الموجب


السّؤال في وادي زقلاب والجواب في وادي الموجب
في أوائل سبعينيّات القرن الماضي، عندما كنّا في الصّفّ الثّاني الإعداديّ، سأل معلِّم اللّغة الإنجليزيّة( عوظ) سؤالًا مفاجئًا ليقبض عليه متلبِّسًا في جُرْمِ عدم الانتباه المشهود: what are these? فانتصب( عوظ) واقفًا من فوره، وأجاب من دون أدنى تردُّد ولا تلكُّؤ: these are those. للوهلة الأولى، قد يتبادر إلى الذِهن وجود علاقة ما بين السُّؤال وجوابه، ولكن عند التَّمحيص والتَّدقيق فإنّ الجواب لا يمتّ إلى السّؤال بصلة.
تدحرج هذا الموقف من الذّاكرة طويلة المدى إلى حالة ماثلة للعيان وأنا أتابع إجابة المسؤولين عن أسئلة مقدِّمي البرامج في التّلفزيون الأردنيّ الرَّسميّ، إذ يصرُّ المسؤولون على أنّ ارتفاع الأسعار لن يمسّ الطّبقتين؛ الفقيرة ومتوسِّطة الحال. وفي الوقت الذي يعاني فيه المواطن هذا الارتفاع حكومة بعد أخرى، تتكرَّر الإجابة نفسها، إجابة بعيدة كلّ البعد عن واقع الحال المتردِّي الذي يعيشه المواطن بحواسِّه الخمس؛ فالغلاء يلامس جسمه صباح مساء، وبعينيه يشاهد ويبصر الأرقام في ارتفاع لا يقوى على متابعتها، وبأذنيه يستمتع إلى أنين الطّفارى وشكواهم، وبأنفه يشتمّ روائح السّموم التي تهبّ عليه بين حين وآخر، إضافة إلى تذوُّقه مرارة المعيشة. كلّ ذلك وغيره، وما يزال المسؤولون يصرّون على الإجابة نفسها، حتّى يُخيَّل لنا أنّ السُّوال غير مفهوم ويشوبه الإبهام، فيكون الجواب أكثر إبهامًا.
إنّ تشتُّت الانتباه، وعدم التّركيز من المشكلات التي يعانيها بعض الطّلبة في مدارسنا، وتَحولُ بينهم وبين استيعاب الدّروس جيِّدًا. ولكن مع التَّقدُّم في العمر تتَّسع المدارك، وتضيق مثل هذه المشكلات رويدًا رويدًا. وعليه، يُفترض أن يتنبَّه السّادة المسؤولون ويتحسّسوا أوجاع الشَّعب وآهاته. وعليهم أيضًا أن يركّزوا في وصفات علاج المديونيّة على مصادر أخرى غير جيب المواطن الذي نضب وجفّ ولم يعد يقوى على النّهوض بصاحبه، فكيف يقوى على سداد المليارات. وعليهم أيضًا أن يستوعبوا الدّروس القاسية المريرة التي واجهتها دول وشعوب أخرى فكان مآلها الضّياع والدّمار؛ لأنّ الدّهماء إن تململت وانجرفت إلى الشّوارع فإنّ العاطفة والانفعال والتّهوُّر هي التي ستسيطر، ويغيب حينها دور العقل والتّعقُّل، ويتوارى العقلاء جانبًا، وتكون الدّهماء حينها فريسة سهلة تنشب فيها أظفار كلّ متصيّد بالماء العكر، وصيدًا طيِّعًا لأنياب كلّ حاقد وموتور لهذا البلد الطيِّب بشعبه ونظام حكمه.
المسؤولون الأفاضل، إن اردتم الاتّكاء جيِّدًا فعليكم بحيطان متينة قوية تسند الميزانيّة، ولا تراهنوا كثيرًا على جيب المواطن الذي يعاني: مما يعاني: خلع الولادة، والدّيسك، والدّلف وغير ذلك من علل. توجّهوا صوب حلّ الهيئات المستقلّة العصيّة على جميع الحكومات ومجالس النّواب منذ سنين وسنوات، راجعوا القوانين والتّشريعات وما فيها من دهاليز يستثمرها ويوظّفها من لايخافون الله لمصلحتهم ومصلحة كلّ من يخصّهم، حتى يصل بهم الحال إلى تنفيع الجار غير الجنب. حدّوا من عدد السّفرات غير الضّروريّة، وإن اضطررتم إلى سفرة لا بدّ منها فلا داعي إلى أسلوب فاردة العرس التي ألفناها في من سبقكم. وغير ذلك من مصادر أنتم أدرى وأعلم بها منّا. وليرافق ذلك نظرة شموليّة تلقي بظلالها على راحة المواطن وسعادته، في التّوسُّع لاستحداث برامج تنمويّة وإنتاجيّة مساحتها مساحة هذا البلد الطّيّب، وبخاصة المناطق الأشد حاجة وفقرًا. والبحث بسواعد أردنيّة بحتة عن بدائل للطّاقة، أو البحث عن مصادر للطّاقة في ربوع الوطن.
أبناؤنا وشبابنا وأولادنا أمانة في أعناقكم، وفّروا لهم فرص العمل الشريف قبل استدراجهم إلى مهاوي الرّدى من قِبَلِ المتطرِّفين وأشباههم. الشّباب مشاريع بناء إن أحسنّا احتواءهم، ومعاول هدم ـ لا قدّر المولى ـ إن فرّطنا بهم، وتركناهم فريسة الفراغ والإحباط.
السّادة المسؤولون، أعيدوا صياغة الإجابات بأسلوب آخر، فأنتم تتعاملون مع شعب واع ومدرك يتمتّع بحواس لاتخطئ ولا يجانبها الصّواب.