القوانين الزرقاء

الحكومة -رعاها المولى- رفعت الرسوم الجمركية على المشروبات الروحية. وقد علمت من مصادر موثوقة أن الشامبانيا هي من المشروبات الروحية، وبقليل من المنطق -أخوي أبوصطيف- "بتقدر تقول" إن الشامبانيا سلعة معترف بها حكوميا.
طبعا، هذا لا يُلزم أيا من المواطنين بالاعتراف أو القبول بالمشروبات الروحية. وبغض النظر عن أسباب رفضها، سواء كانت لأسباب صحية أو دينية؛ إسلامية أو مسيحية -إذ إن هناك طوائف مسيحية تحرم تلك المشروبات- فإن من حق أي مواطن أردني أن يعترض للقضاء على علنية الاحتفال بالشمبانيا في الشوارع، وأيضا من حق أي مواطن أن يستخدمها في احتفالاته الخاصة بما لا يخالف القانون، وتكون للقضاء الكلمة الفصل سندا للقانون، والبت فيما إذا كان من الجائز علنية تعاطي الخمر في الفضاء العام. والاحتكام للقضاء هو الطريق الحضارية الوحيدة لتطوير القوانين في الدولة المدنية الحديثة. القانون الأردني يجرم قيادة المركبات تحت تأثير المشروبات الروحية، كما يجرم أعمال الشغب المقرونة بالسكر، وتقوم الشرطة عادة باحتجاز أي شخص تبدو عليه علامات السكر الشديد، وتوقفه بأمر من المحافظ.
لمعلوماتك -أخوي أبو صطيف- معظم بلدان العالم تقنن سلوك المواطنين في الفضاء العام. وأقدم القوانين التي عالجت هذا الأمر، كان لها دافع ديني بحت، ومن أوائل تلك القوانين قانون صدر في مستعمرة فرجينيا في القرن السابع عشر، وكان يمنع العمل وبيع المشروبات الروحية يوم الأحد، لهذا كان يدعى أحيانا "قانون الأحد"، والقصد منه هو الحفاظ على حرمة وقدسية يوم الأحد عندهم. هذه القوانين عدلت وتباينت على مر الوقت بين التسامح والتشدد في التعامل مع سلوك المواطنين في الفضاء العام، لكنها ما تزال موجودة للآن في كثير من الدول الأوروبية التي تحظر تعاطي المشروبات الروحية في العلن أو في أماكن معينة.
ما هو مرفوض في هذا الصدد، هو اللجوء للعنف والتهديد في الاعتراض على السلوك الذي يعارض ذوقك أو عقيدتك أو قناعاتك، أو التشهير بمن يختلفون عنك ومعك، والحط من شرفهم وشأنهم؛ فليس لك أن تغير بيدك ما تعتبره منكرا، طالما أن لك وسائل حضارية قانونية لتعديل القوانين بواسطة نوابك في البرلمان، أو بواسطة جماعات الضغط الاجتماعي السلمي في مسعى لمنع أو استنكار سلوك ما. حريتك الشخصية تبدأ بولادتك، ولا تنتهي عند حد سوى أن تعتدي على نص قانوني يمنع تصرفك أو يرتب عليه مخالفة. والقول إن "حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين" هو قول مرسل، يضبطه أن يتفق الجميع على أن الممنوع في الدولة المدنية هو فقط الممنوع بموجب القانون.
من جانب آخر، فإنه من المُلفت للنظر أن القضايا التي ترفع في الأردن أغلبها متعلق بقناعات دينية. ومع أنه لا غضاضة في ذلك، إلا أننا لم نسمع مواطنا قام برفع دعوى معترضا على مواكب الأعراس المسيئة لعاداتنا وتقاليدنا، والتي تشكل تلوثا صوتيا وتعرض المواطنين للخطر؛ أو أن تُرفع على متنفذ يغلق الشارع لأجل حفل ختان ابنه البكر، أو شخص يرمي النفايات من المركبة، أو بسبب التدخين في الأماكن العامة. وتلك تصرفات أيضا تسيء لعاداتنا وتقاليدنا ودياناتنا جميعا. وهذه ظاهرة تعني أنه إما أن المتدينين وحدهم من يهتم بتنظيم الفضاء العام، أو أن غيرهم غير مكترث أو مهتم في أن يدافع عن قناعاته وحريته.
القوانين الزرقاء؛ باعتبارها القوانين التي تنظم ممارسة الحريات الفردية في الفضاء العام، هي تفاعل مستمر بين أفراد المجتمع للاتفاق على قواعد تضبط هذه الممارسة وتحمي حرية الأفراد الشخصية، بما لا يتعارض مع مصلحة المجتمع، وهي رحلة مدنية سلمية حضارية تضع القانون فيصلا حضاريا بعيدا عن الترهيب والشتم والتحقير للذي يمارس سلوكا ما أو يستنكره.
خلاصة القول، إن من يريد أن يمنع سلوكا في الفضاء العام ليس له إلا القانون. ومن يريد أن يدافع عن حريته في الفضاء العام ليس له إلا أن يلجأ إلى القانون، وفيما بينهما كفاح مدني سلمي لتعديل القوانين بما يتفق وينسجم مع ما ترتضيه الأغلبية، ولا يقدر على ذلك إلا من يؤمن بالحرية باعتبارها أغلى ما نملك؛ وبالقانون باعتباره أفضل ما نحتاج لمجتمع حضاري سلمي. "فاهم علي أبو صطيف"؟!