خريف النكسة وربيع الثورة

خريف 67وربيع 2011

فكما ان للسلام مساويء اضافة للمكاسب التي يمكن تحقيقها فإنّ هناك لكل عمليّة ديناميكيّة متحرّكة

 سلبيات وإيجابيات حسب الشخص المحلًل والمجتمع المعني والزمان والظرف والهدف من التحليل
وهكذا ممكن الحصول على نتائج مناسبة .


وسلبيات الحروب تكاد تكون معروفة بل محسوسة وتكبر آثارها كلما توسّعت رقعتها وزاد عدد
المشاركين والمتورطين فيها وكلما زادت جهالة وغطرسة قادتها .

وحيث اننا في ذكرى معركة حاسمة في التاريخ العربي الحديث فهناك الكثير من السلبيات أولها أنها
نكسة عربية بإمتياز نتج عنها إحتلال اراض من ثلاث دول عربية واهمها الارض الفلسطينيّة وفيها
الأقصى المبارك والصخرة المشرّفة .

كما سقط شهداء وجرحى من العسكريين والمدنيين العرب وقتلى وجرحى إسرائيليون ودمًرت الآت
وأسلحة وطائرات من الجانبين إضافة إلى تخريب اراض زراعيّة وتدمير بيوت ومرافق خدميّة
كثيرة وشرًد الكثير من الفلسطينيين خارج بلادهم .

تلك هي بعض السلبيات من تلك الحرب التي مضى عليها اربعة واربعون عاما ولم نستردّ الارض
المسلوبة حتّى الان .

ومن إيجابيات تلك النكسة أن العرب اوشكوا البدأ بالمشروع القومي العربي إلاّ أنّ وفاة عبد الناصر
والتغيرات في بعض الزعامات العربية جمّدت المشروع تقريبا ولكن بداية حرب الإستنزاف وجرأة
الملك فيصل في قطع النفط عن أوروبا وثم ظهور منظمات فدائيّة مسلّحة دلّت بالرغم عن كثير من
الاخطاء القاتلة ومنها تفجير الطائرات فقد دلّت على توسّع مدارك العربي المقاتل والمفاوض
والمثقّف والمتعلًم وقد مهّدت تلك النكسة إلى ما بعدها من حرب 1973 والحروب اللبنانيّة وما
يُدعى الحرب على الإرهاب وظهور تيارات إسلاميّة مسلّحة في غزّة والإنقسام الفلسطيني وتبعه
المصالحة كل تلك التفاعلات والحركات على مدى الاربعة واربعون عاما من ذلك الخريف فقد
وصلنا إلى الربيع العربيّ الذي يبشًر بخير لتلك الشعوب العربيّة التي عانت كثيرا من ظلم أعدائها
وبعض حكّامها ذلك العدوّ الذي تغطّى بالعباءة الأمريكيّة وهؤلاء الحكام الذين إستظلّوا بنفس العباءة

ومطرقة خريف 67 انتقلت من جيل إلى جيل حتّى وصلت إالى جيل شباب لم يتحمّل طرقها فوق
رأسه فأنتفض وأقسم أنّه سيتخلّص من تلك المطرقة وحامليها ليعيش حرّا دون طرق ويحوًل الخريف
إلى ربيع تملأه ازهار مرويّة بدم الشهداء مهما غلا فإنه يرخص من اجل الحريّة والأقصى .

فتعدديّة الفكر من قومي وديني وأيدولوجي وغيرها تدفع الشعوب إلى التوحد حول هدف رئيس
والشباب في مختلف الكيانات العربيّة يطالب الآن بالحريّة والتخلُّص من قيادات بالية وإجتثاث الفساد
من جذوره وها هي المطالب تتحقق شيئا فشيئا ويتساقط المخلّدين على العروش وبعضهم مصرُّ على
السقوط في النعوش .

وطبعا إسرائيل التي إبتهجت بخريف 67 تبحث بنشاط عن موطئ قدم لها في الربيع الحالي لتثبت
أنها الأبقى من كثير من أنظمة آيلة للزوال متناسية أنّ بديل تلك الأنظمة شعوبا متعطًشة للحريّة
تجرّعت الذل طويلا وبدأت ترفع رأسها لتستنشق هواء الحريّة والكرامة .

فلنستبدل خزي نكسة حزيران الأسود بربيع 2011 وثوراته الماجدة وليذهب الفاسدون
والمنافقون والكاذبون والدجّالون الى محرقة التاريخ وحاوياته لكي لا تفوح منهم رائحة الظلم والغدر . ولتهنئي ايتهاالشعوب العربيّة بقادة شرفاء ليس لهم غير الوطن سبيلا ولا غيرالمواطن دليلا .

رحم الله شاعرنا محمود طه الذي شدى عام النكبة 1948

أخي، جاوز الظالمون الــمـدى فحــــقَّ الجهـــادُ، وحقَّ الفـِدا

أنتركهُمْ يغصبونَ العُــــروبــــةَ مجـــد الأبــــوَّةِ والـســـــؤددا؟

وليسوا بِغَيْرِ صليلِ الســيـوف يُجيـــبونَ صوتًا لنا أو صـدى

فجــرِّدْ حـــسامَكَ من غـــمــدِهِ فليس لهُ، بـــعـــدُ، أن يُغـــمـدا

فماذا عساه يقول في عام النكسة ولوكان حيّا ماذا عساه يقول في ربيع الثورات العربيّة .كان
سيردد قول امير الشعراء

نَصَحتُ وَنَحنُ مُختَلِفونَ دارًا وَلَكِن كُلُّنا في الهَمِّ شَرقُ

وَيَجمَعُنا إِذا اختَلَفَت بِلادٌ بَيانٌ غَيرُ مُختَلِفٍ وَنُطقُ

وَلِلأَوطانِ في دَمِ كُلِّ حُرٍّ يَدٌ سَلَفَت وَدَينٌ مُستَحِقُّ

وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ

جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ وَعِزُّ الشَرقِ أَوَّلُهُ دِمَشقُ

نَصَرتُمْ يَومَ مِحنَتِهِ أَخاكُمْ وَكُلُّ أَخٍ بِنَصرِ أَخيهِ حَقُّ

المهندس احمد محمود سعيد

دبي – 5/6/2011