«هيئة التفاوض» والإئتلاف..في «مأزَقِهِما» المُتفاقِم؟

يقترب العشرون من شباط الجاري كَموعِد محدد «أُممِياً», لالتئام مؤتمر جنيف السوري في نسخته الرابعة، بعد طول تأجيل وتجاذب, لم يكن لموعده ان يُحسم لولا مباحثات العاصمة الكازاخية استانا,شارك فيها وفد يُمثل سبعة فصائل «عسكرية», نجحت تلك المباحثات في تكريس آلية لوقف اطلاق النار, لكن الأهم هو ان تلك الفصائل حجزت لنفسها «مقعداً» في مفاوضات جنيف الوشيكة (هذا ان عُقِدت) مُوَجِّهة في قرارها ذلك, صفعة مُهينة لما يُسمى الهيئة العليا للمفاوضات التي يرأسها رياض حجاب وإئتلاف اسطنبول الاسلاموي الذي يرأسه بيدق انقرة أنس العبدة.

تبدو المتاهة التي تعيشها هيئة الرياض وائتلاف اسطنبول واضحة وبخاصة في ردود الفعل الهستيرية التي يواصلان إطلاقها عبر تصريحات عنترية ولكن مرتبكة ومتلعثمة، ليس فقط في مسعاهما المحكوم بالفشل والرامي إلى «منع» مشاركة وفود مُعارِضة اخرى في جنيف4، مثل منصات موسكو والقاهرة واستانة وحيميم ودمشق عندما نجحت الهيئة في جنيف3 بإقصائها عن المشاركة، لكنها الان تجد صعوبة، حدود الاستحالة, في تحقيق نجاح مُماثِل, بعد ان تغيرت موازين القوى وانهارت تحالفات ونهضت اخرى ودائماً في الهزيمة المُذلّة التي لحقت بهؤلاء سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً بعد تحرير شرقي حلب, واندحار العواصم الاقليمية الداعمة خصوصاً العربية منها, وفي مغادرة ادارة اوباما التي سعت الى تعويم الهيئة والائتلاف والإبقاء عليهما عنواناً للمعارَضات.

الهسيتريا التي تعصف بالهيئة والائتلاف, مردُّها بروز «الكتلة الوطنية» السورية او ما بات يُوصَف بـ«منصة بيروت»، بعد ان نجحت احزاب وشخصيات معارِضة جاءت من الداخل السوري, في إنضاج صيغة تحالف حزبي متعدد الاطراف والتوجّهات, في التوافق على برنامج عمل ينطلق من قناعات وثوابت ميدانية اساسها: ان «الثورة» انتهت ,وان المهمة المُلقاة على السوريين.. نظاماً ومعارضة, محاربة الارهاب, وان الحديث بينهم, يجب ان يكون.. الان ولاحقاً, عن سوريا في ما «بعد»... انتهاء الأزمة.

هذا الكلام العقلاني والميداني, لم يُعجِب اساطين ثوار الفنادق والمرتهنين لمخططات انقرة وعواصم عربية, والرامية منذ ست سنوات (هل نقول.. وقبلها ايضاً؟) من اجل تدمير سوريا وتحويلها الى منصة لمشاريع الهيمنة والإستتباع, التي اوهموا انفسهم انهم قادرون على تمريرها، كان آخرها اسلوب الارهاب والخراب والقتل. لهذا انطلقت ابواقهم الاعلامية المتعددة اللغات والرطانات, وهدفها واحد هو إسقاط الدولة السورية، لِيُطلِقوا اوصافاً وأحكاماً, تعكِس مدى المأزق الذي وجدوا انفسهم عليه, بعد ان لم يعد أحد يصدق انهما, (الهيئة والإئتلاف) الممثلان «الوحيدان» للمعارضات، وانهما باتا أضعف من أن يتم الرهان عليهما, في انجاز صيغة سلام توافقية تفضي الى حل سياسي يلتقي عنده السوريون انفسهم، بعيدا عن ثقافة السلاح والإقصاء والأسلمة.

خرَج إعلام ثوار الفنادق ومتعهدي البنادق الموضوعة برسم الايجار, ليقولوا في تصريحات زاعقة ان روسيا (تُفَخِّخْ وفد المعارَضة الى جنيف, بـ«الكتلة الوطنية») ويقصِدون هنا «منصة بيروت» التي التأمت يوم أول من امس، ثم خرج ناطق باسم ائتلاف اسطنبول (تم تعيينه يوم أمس رئيساً لوفد المفاوضين في جنيف 4 عن الهيئة والائتلاف) وهو الكلمنجي نصر الحريري, دائم الظهور على قنوات الإعلام التابعة لِرِعاة الارهاب قائلاً: إن ما جرى في بيروت, هو «تشويش» على جهود المعارَضة في جنيف!! وليُتْحِفَنا لا فُضّ فوه مُتطرِداً: «ان الحرب مع النظام.. لم تنته، وأن الحديث عن انتهائها هو أمر غير مقبول»..

الاموِيٌ نذير شؤم وخراب، لا يريد ثائر الفنادق هذا للحرب, في سوريا وعليها, ان تنتهي, ليواصِل والقتلة الذين يتحالف معهم تدمير ما تبقى من الوطن السوري.. بل إنه يقلل من اهمية حضور سفراء احدى عشرة دولة مهمة بينها (روسيا والمانيا وبريطانيا و الصين وكازاخستان وايران) لمؤتمر «منصة بيروت» لِيُعلِن: أن حضور ممثلي سفارات دول، لا يعني ان هناك وزناً لهذه التحركات.

هنا، والآن ولأن الرجل مصاب بعمى الالوان السياسي ويحاوِل إبعاد انظارنا عن الكيفية التي «جيء» بِمجلس اسطنبول اولاً ثم «الإئتلاف» الذي اخترعته هيلاري كلينتون على انقاضه ولاحقاً كيف «نُصِّبَتْ» الهيئة العليا للمفاوضات على رأس المعارَضات, ودائماً كانت تلك «الاستيلادات» برعاية «أصدقاء سوريا», الذين لم يَعدْ أثر لهم.. الآن.

يريد مُعارِض الفنادق هذا, ان نكُفّ عن سؤاله: مَنْ هو الذي انتخبه وهيئته وائتلافه, ليكونا على «رأس» المعارضات السورية؟ ومَنْ هو الذي يُموّلِهما ويُملي القرار والمواقف السياسية.. عليهما؟ وهل يريدنا ان نتغاضى عن الكيفية (المُعلَنة) اي «أمَرَتْ» أنقرة, ممثِّلي الفصائل المسلحة السبعة, الذهاب «صاغرين» الى استانا, وكان لها ما ارادت، دون اي اعتراض ؟.

والسؤال الأكثر أهمية: هل استخلصت «الهيئة».. الدروس والعبر, مِن تراجِع دورها وانحسار تأثيرها بل وقرب انتهاء صلاحيتها، عندما «أُجبِرت» في اجتماعها الذي انتهى قبل يومين, على تشكيل «وفد مُوحّد» يضمها والفصائل السبعة, التي أصرت على ان يكون لها تمثيل وازن وأن يتوازى ودورها الميداني, الذي يفوق دور الهيئة اضافة الى تمثيل لهيئات وشخصيات حزبية وُصفت بالمستقلين، مثل المجلس الوطني الكردي، فيما هي ترفض «الاعتراف» بدور وأهمية باقي المعارضات مثل منصة دمشق وموسكو والقاهرة واستانا وحميمم واخيراً منصة بيروت الجديدة؟

يجدر بِالذين ما يزالون يعيشون اوهام جنيف 1, ان يفيقوا وان يستدرِكوا الامور قبل اوان الاندثار الذي سيكون من نصيبهم حتما اذا ما واصلوا الإعتقاد ان أنقرة وبعض العواصم العربية المهزومة، ستُقدِّم «مصالِحَهم» او مصالح الشعب السوري، على حساب مصالحها الاقليمية او أدوارها التي ضَعُفَت كثيراً.