أزمة ثقة...

لا يستطيع أحد أن ينكر أن هناك أزمة ثقة بين المواطنين والحكومات المتعاقبة وأن هذه الأزمة ليست وليدة يوم وليلة بل وليدة سنوات طويلة ازدادت خلالها هذه الأزمة حتى أصبحت معروفة لدى جميع المواطنين .

وبالتأكيد سيتساءل البعض عن أسباب أزمة الثقة هذه والجواب على ذلك سهل وبسيط فهو في الحكومات نفسها التي أوجدت هذه الأزمة وسنعطي أمثلة على ذلك .

عند ملء بعض الشواغر في المناصب القيادية العليا تعلن الحكومة (ونحن هنا لا نقصد حكومة بعينها) أنها قد شكلت لجنة وزارية لمقابلة الأشخاص الذين تقدموا لشغل بعض هذه المناصب لكننا نفاجأ بأن بعض من عينوا في هذه المناصب لم يقابلوا اللجنة الوزارية وبعضهم ليس كفؤا لتولي المنصب الذي عين به وبالرغم من الانتقادات الشديدة التي توجه للحكومة إلا أنها تضع في إذن طين وفي إذن عجين .

في إحدى المرات التي أعلن فيها عن شغور منصب أمين عام لإحدى الوزارات تقدم عدد من المواطنين وأحد هؤلاء الذين تقدموا كان مؤهلا أكاديميا ويحمل شهادة الدكتوراه في مجال عمل الوزارة المذكورة وتنطبق عليها الشروط كاملة وكأن الوظيفة مخصصة له لكن رئيس اللجنة الوزارية إختلى به جانبا ورجاه أن يسحب طلبه لأن جهات عليا تريد تعيين شخص آخر فهل بعد ذلك ستكون هناك ثقة بين المواطنين والحكومات المتعاقبة .

بعض المواطنين يقومون ببناء صيوانات في وسط بعض الشوارع إما لإقامة فرح أو لأن أحد أبنائهم نجح في التوجيهي بمعدل خمسين من أجل تقبل التهاني أو لتقبل العزاء وتمر سيارات النجدة وسيارات الأمن العام من أمام هذه الصواوين ولا تحرك ساكنا وعندها يقول أحد المواطنين الموجودين داخل الصيوان لجاره (معلوم يا عمي مدعومين).

عندما يقوم بعض المواطنين بارتكاب أفعال قد تصل إلى حد الجنح أو حتى الجرائم لا نسمع أنهم قد حولوا للقضاء ونالوا ما يستحقون من عقاب وإذا أردنا مثلا على ذلك فنحن نتذكر السمنة المهدرجة التي نقلوها من العقبة بواسطة صهاريج النضح واستعملوها في بعض صناعة الحلويات وعندما إنكشفت المسألة صارت فضيحة ليست بعدها فضيحة وقاطعت بعض الدول منتجاتنا لفترة طويلة ومع الأسف لم نسمع أن أحدا من الذين تاجروا بهذه السمنة أو الذين إستعملوها قد حولوا للقضاء لينالوا العقوبة التي يستحقونها .

في إمتحانانت التوجيهي السابقة تسربت بعض أسئلة الامتحانات وحصل بعض الطلاب على علامات فلكية لكن لا أحد يحاسب وفي إحدى السنوات إعترف أحد وزراء التربية بأن الأسئلة قد سرقت وكان المفروض أن يستقيل لكنه بقي في منصبه.

قبل عدة سنوات قامت مدرستان خاصتان بتزوير عدة مئات من شهادات التوجيهي لطلاب عرب مقابل مبالغ مالية كبيرة وتم كشفهما ولم نسمع أن أبطال هذه العملية قد حوكموا بل قاموا بتغيير أسماء مدارسهم فقط .

وبعد فهل من المعقول أن لا تكون هناك أزمة ثقة بين المواطنين والحكومات المتعاقبة ولو كانت هذه الزاوية أكبر قليلا لأوردنا عشرات الأمثلة من الأسباب التي ولدت أزمة الثقة هذه.