الأعراف الجامعية

قد يظنّ بعض النّاس أن الأعراف في العمل الجامعي مسألة شكليّة وأنّه يمكن الاستغناء عنها وعدم الالتزام بها، وفي رأيي أنّها مسألة ذات وظيفة معنوية جوهريّة وأنّ عدم الالتزام بها يلحق ضرراً بالغاً في العملية التعليمية في الجامعات، وقد تضرّ بالدافعية نحو الدراسة والبحث والتفوّق. وفي رأيي أيضاً أنّ بعض التراجع في الأداء الجامعي وفي التحصيل العلمي قد يعود إلى تساهل الجامعات في الأعراف والتقاليد الجامعية، كما أنّ انتشار العنف الجامعي والمشاجرات الطلابية مرتبطٌ أشدّ الارتباط بتراجع الجامعات عن إيلاء عناية كافية لموضوع الأعراف الجامعية، لأنّ الأعراف هي الجانب الأخلاقي والمعنوي والسلوكي والتربوي في الحياة الجامعية، فكيف يمكن أن نثق بأداء تعليميّ وتعلّمي يترك الأخلاق والقيم والتقاليد وأصول التعامل والتواصل والانتظام جانباً؟!

فإذا كانت الجامعة هي المكان الذي ينهل منه الطالب العلم والمعرفة ويتعلّم مناهج التفكير والنقد والبحث، وفيها يتشكل كثير من وعيه ورؤيته للحياة وكلّ ما يحيط به، فمعنى ذلك أنّ للجامعة دوراً بالغ الأهميّة في بناء جانبه الإنساني والروحي والعقلي والفكري، وعلى ذلك فإنّه ينبغي أن يكون للجامعة حرمةٌ وقداسة لا تقلّ عن حرمة المسجد وحرمة ذوي الرحم (الوالدين خاصّة)، والمكان الذي له حرمةٌ لا بدّ أن يكون التعامل معه والدخول إليه والخروج منه له أصولٌ وقواعد خاصّة تعكس تلك الحرمة وذلك التقدير. ومن هنا فإنني أدعو الجامعات إلى أن تراعي في قوانينها وأنظمتها وتعليماتها أن تتضمن نصوصاً وموادّ تغطي هذا الجانب الأخلاقي والمعنوي، وتكفل احترام الطالب لجامعته وأساتذته وزملائه وسائر العاملين في الجامعة، وتضمن التزام الطالب بالأصول والأعراف والواجبات والقوانين، والنظر إلى أي مخالفة للأصول والأعراف بحساسية بالغة بسبب حرمة الجامعة وحرمة مجالس العلم نفسه. 

ولذا فإنني أنظر إلى رفع الطلبة أصواتهم عالية وهم ينادي بعضهم بعضاً في ممرّات الكليّات وأمام قاعات الدرس سلوكاً مخالفاً للأعراف الجامعية، وأرى في خلوّ يد الطالب من كتب ودفاتر وأقلام مخالفة للأعراف واستهتاراً بالجامعة ورسالتها، وأرى في جلوس الطلبة على الأدراج التي يمرّ منها الناس وإلقائهم ببقايا الطعام والأكواب الفارغة صورة من صور مخالفة القواعد والأصول والأعراف، وأرى في كثير من صور السلوك المنافية لقيم المجتمع في حرم الجامعة مؤشرات خطيرة على تراجع الأعراف الجامعية وتراجع رسالة التعليم الجامعي.

ولأعضاء الهيئات التدريسية والهيئات الإدارية دورٌ أساسيٌّ في تعزيز الالتزام بالأعراف والتقاليد الجامعية، فلا يتساهلون أبداً في أيّ مخالفة لتلك الأعراف من قبل الطلبة، فضلاً عن ضرورة التزام تلك الهيئات نفسها بهذه الأعراف كيما يكونوا قدوة صالحة لطلبتهم.

salahjarrar@hotmail.com