واشنطن.. طهران.. كلاكيت متجدد!


 

 

< التصريحات التي يضج بها العالم الآن ضد إيران أخذت طابع السخونة أكثر من ذي قبل، إذ تحاول مثل هذه التصريحات إشغال الرأي العالمي، وإدخاله في أجواء هي مزيج من الحماسة والندية، وإحياء موضوع مناسب للمرحلة الحالية، ليملأ الحكايات والنقاشات وطاولات البحث، وفوق ذاك يُحْدِثَ ما تيسر من الصراخ والضجيج فيما يمكن المضي في ظل هذا الانشغال والحراك إلى ملفات أخرى واحتواء ردود فعل طازجة وتمييعها حد الممكن. ليس ثمة من جديد حين يقال إن إيران راعية الإرهاب الأولى في العالم، الجديد فقط فخامة الجملة واختيار التوقيت الدقيق لعرضها والتلاعب بالمشهد السياسي، فرعاية العمائم للإرهاب رعاية مخزية وأدمت كثيراً من الدول المغلوبة على أمرها، ولم يكن يسأل أحد بدقة ماذا تفعل وفعلت إيران في العراق وسورية ولبنان واليمن ودول أخرى، وإن كان الجميع يعرف ماذا تفعل بالضبط؟ السؤال أشجع في كثير الأحيان من المعرفة، ففي السؤال صراع هائل ورغبة ولو كانت مائلة لإحضار سيل من الأجوبة المستحقة للتدقيق وكشف النوايا ومخططات العبث والخبث، أما المعرفة فتخذلها كثير من معاول الخيبة كالصمت والخذلان، وتقزمها الانكسارات المتوقفة عند الشجب والاستنكار.

 

 

عربدة ايران مقروءة ملموسة ومضبوطة بالأحداث وحمامات الدم، وكانت تمارس ألاعيبها على مرأى من العالم والسياسات المتذبذبة العاشقة لميادين التوتر ومنابر التأجيج، ربما تتغير قواعد اللعبة مع تصريحات الادارة الاميركية الجديدة تجاه النظام الايراني المرتبك، وما ادراك ما ربما، لأنها تستنزف كثيراً من حبال التفكير وتهز طاولات النقاش وتجعل الساحة رهناً للمداولات والمشاورات وتقارب وجهات النظر فيما يكون النزف مستمراً وفي أكثر من بقعة وعلى حساب الأبرياء والمبتلين. محاربة الارهاب تستلزم ايقاف الفعل قبل الانهاك العام بجمل التنظير، الحرب الحقيقية تجاه رعاته ومشعليه والمنتفعين منه ومن خلاله تستلزم حراكاً أكبر من جملة شجاعة أو قول عابر وأسطر جاءت في أجواء مشبعة بالدراماتيكية وحبال المفاجآت، المسرح السياسي المقبل سيكون مسرحاً للمناورات والضرب على المفاصل والأعصاب، ولست متفائلاً بأن هناك زلزلة لعروش مقبلة حتى وإن رفعت واشنطن البطاقة الحمراء في وجه طهران، فهذا الرفع ليس كافياً فقد لا يعدو أن يكون مناورة سياسية معتادة يتحدث عنها مشوار طويل من المماحكات الناعمة والمصافحات الخجولة، وإن قادت سياسة ترامب المتسرعة المتعصبة لحزمة من التهديدات والوعود بعلاج السلوك الإيراني المريض، إلا أن السؤال الحرج في ملف الشرق الأوسط المضطرب: ماذا تفعل إيران؟

 

 

يظل في أمس الحاجة لإجابات صريحة وحلول مباشرة لا ترتبط بالوقت ومطاطية التصريحات والمناورات المحبطة، لن تتوقف طهران عن توسعها المبني على طائفية وإرهاب مدروس إلا متى شعرت أن هناك من سيحاسبها على تصرفاتها الشاذة المختلة، ولعل العالم المختل بات يتوقع أيضاً أن يتم إيقاف هذه التصرفات على يد من لا يمكن التنبؤ بما يفعله، وأن الاستفزاز الإيراني الطويل سيجابهه رئيس مستفز من الطراز الأول، وقد نستعيد جملة شعبية تقول: «إن الخير في معاطف الشر».