التغيير



أشياء كثيرة من حولنا تغيرت وتبدلت، نتيجة التطورات أو العوامل الطارئة التي حدثت على المستويين الإقليمي والدولي، وفي هذا العالم الذي يشهد حالة من الفوضى والمفاجأت والمتغيرات، لا يوجد مكان للمتفرجين، أو أولئك الذين ينتظرون نتائج التغيير دون أي استعداد للتغيير من جانبهم.


في العادة تتراكم الأحداث على مدى حقبة زمنية معينة حتى تصل ذروتها، بحيث تقود إلى سبيلين متناقضين، وأحوال العالم اليوم، والأحداث في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن تقود إلى حرب مدمرة، أو إلى انفراج فسيح، فروسيا على سبيل المثال دخلت كلاعب أساسي في المنطقة من مدخل المشكلة السورية، إنها الآن موجودة بصورة غير متوقعة منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، والقوى الإقليمية تتجاوز حدود الجوار في غياب الحدود بمعناها المتفق عليه في القوانين الدولية، أو مبادئ وتقاليد حسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

إنها السريالية بعينها، حيث يملي العقل الباطن–بما ينطوي عليه من عقد الماضي، وأحلام الإمبراطوريات القديمة–على المشهد صورا من التاريخ، يعيدنا إلى أزمان تخرجنا من الواقع، وتبعدنا بعيدا عن المستقبل، ظنا من أولئك أن الصورة الأبهى تكمن في الماضي البعيد، بدل أن تكون في المستقبل القريب.

وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية تغيرت بتغيير الرئيس، هذه أول مرة تخرج فيها أمريكا عن معادلة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، فشخص الرئيس دونالد ترامب، وما عكسه من تغير في المجتمع الأمريكي، هو في حد ذاته حدث غير عادي، وفيه من التحويل والتبديل ما يدفعنا إلى ضرورة فهم الظاهرة الأمريكية الجديدة، التي قادت إلى البيت الأبيض رجلا يمثل ذلك التحول دون رتوش، ذلك هو الرئيس الجديد، الذي أعلن بشكل صريح عن تغيير في السياسات الداخلية والخارجية الأمريكية.

وذلك هو الرئيس الذي تباحث معه جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، بعد سلسلة طويلة وهامة من المباحثات مع نائب الرئيس وفريقه، وعدد من لجان مجلسي الشيوخ والكونغرس، وكل من يشكل أحد عناصر العهد الأمريكي الجديد، إنه أول زعيم على المستوى الدولي يجلس وجها لوجه مع الرئيس ترامب، الذي يعرف هو أيضا قيمة ومكانة وخبرة الملك الذي تحادث معه حول العلاقات الثنائية والوضع في المنطقة، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والحرب على الإرهاب، وأظن أن الإدارة الأمريكية كانت سعيدة بإتاحة الفرصة لرئيسها الجديد كي يسمع تحليلا واقعيا لما يجري في المنطقة، والحلول التي من شأنها إعادة ترتيب الأوراق المبعثرة، ووضع حد للآلام التي ذاقتها شعوب المنطقة نتيجة الصراعات على المصالح، ونزعة الهيمنة والنفوذ، على حساب الأمن والتعاون والسلام الإقليمي والدولي.

لقد بلغت الواقعية في التحليل أن يؤكد جلالة الملك دور أساسي لروسيا في حل أزمات المنطقة، وتلك هي قناعته التي ترسخت لديه خلال مباحثاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التي سبقت زيارته لواشنطن، وقبل ذلك قراءته للوجود الروسي في الميدان، فضلا عن العلاقات الجيدة التي تمكن من تثبيتها بين الأردن وروسيا.

ولا شك أن حصيلة تلك المباحثات الهامة سيتشكل منها الموقف الذي سيعرضه جلالة الملك على القادة العرب عندما تنعقد قمتهم في عمان خلال شهر مارس آذار المقبل، على أمل إحداث تغيير في كيفية التعامل مع التطورات المنتظرة، وبناء منهج قومي عربي جديد، وفي اعتقادي أنهم متشوقون لسماع ما سيطلعهم عليه جلالة الملك من حقائق، واستخلاص لنتائج تلك المباحثات مع الرئيسين الروسي والأمريكي.

بعد هذا كله لدي سؤال بسيط وبريء أيضا، أليس مع المنطقي أن نتغير نحن أيضا في فهمنا لقيمتنا ومصالحنا، واعتماد المنهج الاستقرائي أو الاستنتاجي، والذي يقوم على تتبع الجزئيات للتوصل منها إلى الكليات لحل مشكلاتنا العالقة، والاستعداد لاحتمالات المرحلة الجديدة التي تتشكل ملامحها أمانا، ووضع حد لحالة التذمر والريبة والشك، وكل هذه الضوضاء التي تشوه صورتنا أحيانا، سواء عن قصد، أو عن غير قصد؟!

وللحديث بقية.