ثقافة الاستقالة

 

 

إن الاستقاله هي اشجع خطوه يقدم عليها أي مسؤول عند إخفاقه أو حدوث خطأ فادح تحت إدارته , أو حتى عند عجزه عن تحقيق أبة نتائج ملموسه لأي سبب كان , وخير مثال على ذلك التجربه البريطانيه ففي  يوم الخميس السادس من أكتوبر عام  2005 , قدّم مايكل هاورد، زعيم حزب المحافظين البريطاني استقالته من رئاسة الحزب أمام مؤتمره العام بعد أن خسر الحزب الانتخابات العامة في تلك السنة. وفي معرض تبريره للاستقالة، قال: "حين تخفقون في الحياة الحقيقية، فمن المحتمل أن تفقدوا وظيفتكم.. ولهذا السبب أقدم استقالتي".

 

هكذا، ببساطة وعفوية، اعترف الرجل أنه أخفق، وأن النتيجة الطبيعية لهذا الإخفاق تتمثل في أن يبادر لمغادرة منصبه بنفسه. شعر أنه كان المسؤول عن قيادة حزبه للنجاح في الانتخابات، فرأى من المنطق أن يتحمل مسؤولية الخسارة بدل أن يبحث عن الأعذار، مع أن إيجادها ممكنٌ على الدوام، ومع أنها قد تكون مشروعةً وحقيقيةً في بعض الأحيان.

 

إن الاستقاله ليست عارا" أو عيبا" كما يتصور البعض , بل هي اسلوب حضاري اداري راق جدا" للتعبير بجرأه عن تحمل المسؤوليه وتبعاتها , ومنح الفرصه لإخرين قد يكونون اكثر قدره لتحقيق الاصلاح المنشود .

 

استقالة المسؤول من منصبه هي اسمى شعور بالمسؤولية تجاه نفسه ووطنه ، وان كان ثمّة مَن يعتبرها انهزاماً او تنصلاّ من تلك المسؤولية، فذلك يعني انها احترام للذات ايضاً واعتراف بمحدودية القدرات وعدم المواصلة لتكملة المشوار .

 

قد يستقيل المسؤول في الغرب أو الشرق في مرحلةٍ من المراحل حتى لو كان ناجحاً، لإعطاء الفرصة للدماء الجديدة أو لأي سبب آخر. لكن الواقع يقول إن الساسة والمسؤولين في كل مكان ليسوا من جنس الملائكة، فالكثير منهم يتمسّك بمنصبه وميزاته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً. غير أن الواحد منهم يستقيل بالتأكيد إذا أخفق في تأدية واجبه، أو حين تظهر خيانته للأمانة بأي طريقة, حتى انك تعتقد ان  هناك علاقة حميمه بين كرسي المنصب ومن يجلس عليه , فكأنه ارتباط كاثوليكي لا ينهيه إلا الموت .

 

إن المنصب الحكومي مسؤوليةٌ قبل أن يكون أي شيء آخر. وارتباط المنصب بمفهوم المسؤولية عاملٌ أساسي في الحفاظ على التوازن السياسي في أي مكان، لأن فقدان الارتباط المذكور يهزّ المشروعية ويؤدي دائماً إلى التخبّط والفوضى. ولأن هذا المفهوم غائبٌ إلى درجة كبيرة في هذه البقعة من العالم، فإن ثقافة الاستقالة من المنصب الحكومي نادرةٌ في بلاد العرب.

 

إن مصطلح ومفهوم المنصب ركن اساسي من اركان ثقافة الاستقالة التي تؤكد على ان المنصب او المسؤولية هي بحد ذاتها تكليف قبل ان يكون تشريف وانها امانة كبيرة وخطيرة في اعناق حامليها في الدنيا والاخرة. ان مفهوم الاستقالة لازال ومع الاسف الشديد غريبا بل غير وارد في  البلاد العربيه في المدى المنظور,  فالشخص المسؤول عندنا يرتكب الاخطاء الكبيرة العلنية منها والسرية ويتسبب في الكثير من المشكلات العظيمه  ويظل جاشما على كرسي المسؤولية , بحيث انه ومن الطبيعي ان يولد هذا التصرف الغريب  الاذى وانعكاسه السلبي على عجلة التقدم والنمو والاصلاح بشكل خاص وعلى الشعوب العربيه بشكل عام .

 

 واخيرا يجب أن يدرك المسؤول أن الصلاحيات والمزايا التي يحصل عليها هي من أجل أن تعينيه على الإطلاع بمسئولياته والقيام بواجباته؛ حتى يصبح مسؤول يمكن مساءلته ومحاسبته؛ وذلك إنطلاقا من المبدأ الإداري المهم : تعادل السلطة والمسئولية؛ فكلما زادت سلطاتك وصلاحياتك، كلما زادت واجباتك ومسئولياتك.

 

 

الدكتور/ مصطفى خليل الفاعوري

Mustafa_faouri@hotmail.com