الإصلاحات الدستورية تتصدر أولويات المجتمع

أجمعت فعاليات المجتمع المدني والأحزاب والإعلام على أهمية الإسراع في خطوات الاصلاح الدستوري باعتباره هو الأساس في إصلاح الحياة السياسية في الأردن، مؤكدين ان الأولويات في المرحلة الراهنة تتمثل في إصلاح القضاء، وإنشاء المحكمة الدستورية، وزيادة السلطات الممنوحة لمجلس النواب في مراقبة ومساءلة المتنفذين والمسؤولين.

 

جاء ذلك في ختام اللقاء الموسع لقيادات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، الذي عقدته المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (آيديا) مع الشريك المحلي مركز بصر لدراسات المجتمع المدني ومع ومركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، يوم الأربعاء الماضي، وكان بعنوان "الاجتماع الموسع للمجتمع المدني والفعاليات السياسية من أجل الإصلاح الديمقراطي" في فندق هوليدي إن بعمان، والذي حضره سبعون مشاركاً مثلوا قادة مراكز حقوق الإنسان والجمعيات ومنظمات المرأة والحركات الشبابية والنقابات العمالية والمهنية والإعلام والجامعات والأحزاب السياسية والحكومة ومجلس النواب ومراكز الدراسات.

 

افتتح وقائع الاجتماع أمين عام المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات، فيدار هيلغسين، الذي عرّف بمؤسسة "آيديا" وبعضويتها الحكومية المكونة من 27 دولة، وبأهدافها المتمثلة في دعم الديمقراطية والعملية الانتخابية وبناء الدساتير والمشاركة السياسية ودعم الأحزاب، مع التركيز على مشاركة المرأة. وقال هيلغسين ان المؤسسة تمتلك أكبر قاعدة معلومات في العالم حول الأنظمة الانتخابية، مؤكداً أن مؤسسة "آيديا" لا تسعى الى الإملاء على الحكومات ولا على الشعوب ما يجب القيام به.

أما أيمن أيوب، المدير الإقليمي لبرنامج غرب آسيا وشمال إفريقيا في مؤسسة "آيديا"، فأكد أن الاجتماع ينطلق من قناعة مؤسسة آيديا بأن لكل دولة الحق في إيجاد طريقها في الإصلاح السياسي والدستوري والديمقراطي، ومن هنا فإن اللقاء يجمع قادة المجتمع المدني والأطياف السياسية من أجل التباحث معاً في قضايا الإصلاح الديمقراطي في الأردن، والسعي الى التوصل الى توافق عام حول أهم التحديات التي تواجه عملية التحول الديمقراطي، والاتفاق على تحديد الاحتياجات في المرحلة الراهنة، وصولاً الى رسم الأولويات في الإصلاح الديمقراطي. كما أكد أيوب أن دور "آيديا" بعيد كلياً عن تقديم الوصفات الجاهزة لأجندة الإصلاح السياسي في الأردن.

 

من جانبها، تحدثت الدكتورة مي الطاهر، مديرة مركز بصر لدراسات المجتمع المدني، عن الوضع الراهن على الساحة الأردنية التي شهدت حراكاً شعبياً منذ مطلع العام الحالي 2011، متأثراً بظاهرة الثورات الشعبية العارمة التي شهدتها البلدان العربية، لافتة الانتباه الى حصول نقلة نوعية في المطالبات الشعبية، التي تطورت من الاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية وارتفاع الأسعار وتدني مستويات المعيشة والاعتصامات العمالية لتحسين ظروف العمل، الى المطالبة بالإصلاحات السياسية والانتخابية والدستورية، ومراجعة الصلاحيات الممنوحة لجلالة الملك، ومحاربة الفساد والمحسوبية.

 

واستعرضت الطاهر السياق الزمني للإجراءات الحكومية التي اتخذت كرد فعل على التفاعلات السياسية والاجتماعية، والتي بدأت في 17 آذار حين أعلن عن تشكيل لجنة الحوار الوطني من 52 عضواً وجوبهت بمقاطعة جبهة العمل الإسلامي، وكُلفت بمهمة التوصل الى صيغة توافقية لقانوني الانتخاب والأحزاب خلال ثلاثة أشهر. ثم اندلعت أحداث 24 آذار حيث تدخلت قوات الشرطة لتفريق التظاهرات الشعبية عند دوار الداخلية، مما أثار غضب الشارع وعلا سقف الاحتجاجات والانتقادات. وتلت ذلك أحداث 15 نيسان في تظاهرات مدينة الزرقاء، حيث تدخلت القوات الأمنية ثانية في تفريق المتظاهرين، وسقطت أعداد كبيرة من الشرطة والمواطنين والجماعات المتدخلة الأخرى. واستطردت أنه في 27 نيسان، شكلت الحكومة لجنة من عشر أعضاء لمراجعة الدستور، تلتها في 30 نيسان، تشكيل لجنة الحوار الاقتصادي من 37 عضواً. وقالت أنه في الأسبوع الماضي أعلنت لجنة الحوار الوطني عن التحول من نظام الصوت الواحد الى النظام المختلط القائم على القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، وقائمة التمثيل النسبي على مستوى الوطن، مما أثار حفيظة الأحزاب، التي تقدمت تسع من قياداتها بمطالبتهم اعتماد نظام القائمة الحزبية.

 

وأشارت الطاهر الى الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في نيسان الماضي، حيث تبين ان 57% من العينة يرون ان مخرجات لجنة الحوار الوطني لن تلبي طموحات الشعب الأردني في الاصلاح، ومثيرين ان القضايا المحورية هي محاربة الفساد والفاسدين، والعدالة وتكافؤ الفرص في التعيينات، ومحاربة المحسوبية والشللية، ومبدين خشيتهم من تحول مصير لجنة الحوار الى ما آلت إليه لجنتا الأقاليم والأجندة الوطنية.

 

وناقش المشاركون في الجلسة التي أدارها أحمد عوض، مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، قضايا الإصلاح والتحول الديمقراطي في الأردن، حيث أبرزوا ضرورة تطوير العمل السياسي وإصلاح منظومة القوانين والتشريعات التي تنظم الحياة السياسية. وتحدثوا عن ثقافة الخوف التي ما زالت تسيطر على المواطنين فيما يتعلق بالعمل السياسي والحزبي، مؤكدين ضرورة دعم الاتحادات والجمعيات والأحزاب التي ما زالت غير قادرة على استخدام وسائل الإعلام للدفاع عن برامجها.

 

وتساءل الحضور عن سبب غياب دور منظمات المجتمع المدني في الأحداث التي تجري في الشارع الأردني وضعف تفاعلها مع الحراك الشعبي، طارحين مسألة الجدوى من المشاريع التي تنفذها المنظمات التي يقدر عددها بالآلاف في الأردن، والتي لوحظ عدم رصدها للانتهاكات التي طالت فئات واسعة من الحركات الاجتماعية.

 

وأشار البعض الى ان التدخل الأمني ما زال كبيراً في الحياة السياسية ويطال حتى الجامعات والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني، مؤكدين أهمية توفر إرادة سياسية للإصلاح وضرورة وجود حكومة إصلاح وطني تقف بحزم ضد الفساد وتحاسب المفسدين، مؤكدين أن الخطوة الأولى هي إصلاح الدستور وتعزيز سلطات الشعب.

 

هذا وقد توزع المشاركون على أربع ورش عمل فرعية تناولت مختلف محاور الإصلاح الديمقراطي، من حيث التحديات، والاحتياجات، والأولويات.

 

وجاء في محور الإصلاح الدستوري، والذي ترأسه الدكتور محمد بني سلامة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليرموك، أن الإصلاح الدستوري هو المدخل الى الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأن أهم الأولويات تتركز في إنشاء المحكمة الدستورية، وتفعيل مواد الدستور والتأكيد على أن الأمة هي مصدر السلطات، وقيام المواطنين والإعلام بحماية الدستور ومراقبة تطبيقه.

 

أما محور إصلاح العملية الانتخابية، والذي ترأسه الناشط السياسي من حركة دستور 1952، باسل الحمد، فحدد أهم الأولويات بتعديل النظام الانتخابي واعتماد القائمة الحزبية، وضرورة ان يكون قانون الانتخاب مؤقتاً حتى يتم تطويره باستمرارا، والتدريب والتطوير المستمر للنواب حول القوانين وإنشاء مركز للمعلومات في مجلس النواب، وتحديد سقف لتكاليف الحملات الانتخابية والإفصاح عن بنود الصرف، وإنشاء مفوضية دائمة ومستقلة للانتخابات، وتفعيل دور المجتمع المدني في مراقبة كافة مراحل العملية الانتخابية.

 

وجاء في توصيات المجموعة الثالثة، محور إصلاح نظام الأحزاب السياسية، التي ترأسته المحامية رحاب القدومي، الناشطة في حقوق الإنسان، أن إيجاد تمثيل نسبي لا يقل عن 30% للأحزاب في البرلمان هو مطلب أساسي، مع التأكيد على ضرورة إقرار قانون احزاب عصري يكسر الطوق الأمني على نشاطات الأحزاب ويوسع مساحة الحرية في طرح البرامج الحزبية، وأهمية ترسيخ مبادئ العمل السياسي والحزبي في المناهج الدراسية، وإزالة القيود على الحزبيين في الحرمان من الحقوق المكتسبة للمواطنين، واعتماد نسبة لا تقل عن 20% للمرأة في الأحزاب.

 

أما المحور الخاص بالقوانين الأخرى ذات العلاقة بالتحول الديمقراطي، والذي ترأسه المحامي حسين العتيبي، رئيس جمعية المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان، فبحث في إصلاح القضاء، وأكد على ضرورة استقلال القضاة بضمانات قانونية، والاستقلال المؤسسي المالي والإداري للقضاء، ومراقبة القضاة ومساءلتهم وحمايتهم وتدريبهم، وتوفير الأمن الوظيفي لهم، مع التأكيد على حق الجميع في الوصول الى العدالة. وحول قانون الجمعيات، أجمع المشاركون على ضرورة إزالة القيود المفروضة على تأسيس وعمل الجمعيات، وأن يكون التأسيس وفق مبدأ الإشعار والحل وفق قرار الجمعية نفسها، مع الإعلان السنوي عن مصادر دخل ومصاريف الجمعية، وأن تكون الهيئة العامة للجمعية هي صاحبة الولاية على تنفيذ اهداف الجمعية. أما بخصوص قانون الاجتماعات العامة، فتم تحديد الأولويات بإزالة القيد الأمني على الاجتماعات العامة والتدخل الأمني في فض المسيرات والتظاهرات السلمية، واستثناء الاجتماعات التي تعقد في القاعات المغلقة، وإنهاء حق الحاكم الإداري بفض الاجتماع ووجوب حماية الفاعلية المقامة. كما تم التأكيد على ضرورة إلغاء قانون المطبوعات والنشر.

 

وتحدث في نهاية الاجتماع ممثلو مؤسسة "آيديا" الذين أكدوا أن هذا اللقاء التحاوري الفعّال ما هو إلا لتحديد أولويات العمل على أجندة الإصلاح الديمقراطي من وجهة نظر المجتمع المدني نفسه، مشددين أنه الخطوة الأولى لبناء الثقة المتبادلة وأنه ستتبعه صياغة استراتيجية لتحديد المبادرات والبرامج المشتركة.