وزارة الداخلية تنصف أماً

بعثت لي بكل عبارات الرجاء والاستعطاف تطلب مني أن أخاطب وزارة الداخلية لتجديد اقامة ابنها ومعيلها الوحيد الذي لا يحمل رقما وطنيا وهي بالكاد تستطيع كتابة الرسالة بسبب الكبر والعجز.

وبالرغم أن التواصل كان كتابيا الا اني احسست بصدق معاناتها وألمها وأملها بفرج من الله قريب ولكني خفت أن أخذلها فتجربتي مع الدوائر الرسمية تتأرجح بين استجابة محدودة وتلبية لحاجات المواطنين ورفض كثير وعدم رد! ولكن لم يكن ممكنا أن أرد سيدة في سن أمي فكتبت الطلب وارفقته بالمعلومات وبعثته بيأس لأفاجأ بتلبية سريعة لهذه الأم التي أحست وكأن الروح عادت لها وفتحت لها طاقة القدر!
كانت استجابة محمودة من وزارة الداخلية يجب الثناء عليها ولربما يوقع الوزير والمسؤولون مئات الأوراق المماثلة يوميا ولكنهم لا يعلمون مدى تأثير تواقيعهم ولا سعيهم في التخفيف عن الناس وان جرة قلم قد تعني لأحدهم حياة بعد موت وأمل بعد يأس وعونا بعد خذلان! فكيف لو منعوها عمن يحتاجها أيضا؟ ربما هو للمسؤولين مجرد توقيع على طلب رسمي ولكن له معنى وحساب آخر في موازين مختلفة فقد جاء في الأثر: «ما عُبد الله في الأرض بأفضل من جبر الخواطر»،
ولربما يقول قائل وماذا تعني تلبية حاجة امرأة عجوز؟ هل ستحل مشاكلنا؟ ولكن بالمقابل هل المجتمع الا مجموعة أفراد؟ هل ننتصر الا بضعفائنا وبالعناية بهم؟ ألم تفتح عمورية استجابة لنداء امرأة؟ ألم يفرد العالم قوانين ومواثيق دولية لحماية حقوق المستضعفين وأصحاب الحاجات الخاصة؟
فأن يتحرك المسؤول لحاجات الناس بضمير وسرعة وكفاءة معناه أن الدنيا ما زالت بخير وان القيم ما زالت موجودة وأننا في الأردن مهما اصابنا من فاقة نظل نسع اخواننا ونقتسم قليلنا ولا نبخل بكثيرنا
وهذا يذكرنا أن هذه الحالة ليست فردية وليست معاناة أم لوحدها وانما قضية آلاف من المواطنات الأردنيات منقوصات المواطنة اللواتي لا يتمتع ابناؤهن بأي حقوق سوى بطاقة مدنية لا تقدم ولا تؤخر اذ ما زالت حملة «أمي أردنية وجنسيتها من حقي» لم تحقق الاهداف الكبرى التي ترجوها بسبب فزاعة يتقن البعض استغلالها وتخويف الدولة منها!
ان القوانين لا تساعد مثل هؤلاء المواطنات وأسرهن على حياة كريمة مستقرة فما أرقى أن تجد مسؤولا يعرف أن الانسانية أحيانا فوق القانون بل هي لب القانون ومبتغاه وأن العدالة ليست فقط في نص القانون ولكنها ايضا في نفس القاضي فيطوع قانونا باردا جامدا لينثر الدفء والتماسك والامتنان في قلوب لم تعرف الا الأردن وطنا.
من قال إن السياسة بلا دين ولا قلب ولا أخلاق ومبنية على المصالح فقط فليراجع نفسه وليعلم أن دين السياسة وأخلاقها من دين أصحابها وأخلاقهم فهناك أناس ما زالوا يراقبون الله في كل كلمة وخطوة ذاكرين أن أقرب الخلق الى الله انفعهم لعباده وأعدلهم حكما وان الله أشركهم في الدنيا في شيء من حكمه ليقيموا العدل فمن عدل عن ذلك كان ابغض الناس الى الله ولم يكسب الا ذم الناس.
كنت أود لو أنقل لوزير الداخلية وكل طاقم الوزارة دعاء السيدة بأن يفرج الله عن كل من ساعدها وأشكرهم أن سمحوا لي جميعا أن أكون وسيلة وجسرا لخير انتهى برسالة تقول: «الله يرضى عليك يمه ويعطيك ليرضيكي».