ترامب واستراتيجية مكافحة الإرهاب


ركّز الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حملته الانتخابية على القول إنه سيغير استراتيجية الولايات المتحدة في محاربة الإرهاب والتطرف، وذهب أبعد من ذلك حين اتهم إدارة باراك أوباما الديمقراطية بأنها ساهمت في دعم "داعش"، لا بل إنها هي المسؤولة عن ظهوره.
ومنذ تسلمه الرئاسة، طلب ترامب من مدير الاستخبارات الأميركية أن يجهز استراتيجية للقضاء على "داعش" خلال ثلاثين يوماً. وهذا مؤشر على أنه جاد في تنفيذ وعوده الانتخابية بتغيير استراتيجية الإدارة السابقة. وبالرغم من أنه لم يعلن حتى الان الاستراتيجية التي سيتبعها، إلا أنه خلال حملته أشار الى ما يمكن أن تكون ملامح لهذه الاستراتيجية، كالتالي:
أولاً: يعتقد ترامب أن أولويته ليست الإطاحة ببشار الأسد، وإنما محاربة "داعش". وهو بذلك يرى أنه لا بد من التعاون مع روسيا، وقد يكون مع سورية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لتحقيق أهدافه. وإذا ما أخذ كلام ترامب على محمل الجد حتى النهاية، فهذا يعني أن من المحتمل أن نلحظ تغيراً في التحالفات القائمة حالياً لمحاربة "داعش". فالولايات المتحدة تقود تحالفاً دولياً لأكثر من ستين دولة لمحاربة التنظيم، روسيا ليست جزءاً منه. ومن المحتمل أن الاستراتيجية الجديدة ستشهد إما حلفاً جديداً مع روسيا، أو انضمام روسيا للتحالف القائم، وهي التي طالما أبدت رغبة في توحيد جهودها مع التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، لكن الأخيرة كانت تماطل وتمانع.
ثانياً: أن الاستراتيجية الجديدة ستكون ذات طابع هجومي أكثر من السابق، مع عدم استبعاد أن تكون حرباً برية ضد المناطق التي يسيطر عليها "داعش" في سورية، أو تكثيفاً للعمليات العسكرية الخاصة الأميركية. فالإدارة السابقة كانت ترفض مشاركة القوات الأميركية مباشرة في الحرب على "داعش"، واكتفت بدعم الحلفاء الإقليميين والمحليين عسكرياً ولوجستياً. والاستراتيجية الحالية يبدو أنها قد تشهد انخراطاً عسكرياً أميركياً مباشراً في الحرب على التنظيم. بل أكثر من ذلك، قد تشهد أيضاً انخراطاً عسكرياً مباشراً لبعض دول الإقليم، لكن بتمويل خليجي.
ثالثاً: أن الحرب على "داعش" والتنظيمات المتطرفة الأخرى سوف تطال الأبعاد الفكرية والسياسية لبعض حركات الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين في مصر ودول أخرى. يعزز هذا الاعتقاد وجود مشروع قانون في الكونغرس الأميركي، إضافة إلى تصنيف عدد من الدول العربية لجماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، وبخاصة مصر ودولة الإمارات والسعودية، ومهاتفة ترامب لزعماء هذه الدول في الأيام الماضية. إذ الواضح من هذه الاتصالات أن الرئيس الأميركي يريد من هذه الدول أن تنخرط أكثر في المعركة الأيديولوجية لمواجهة تيارات الإسلام السياسي وان تشارك أكثر في تمويل جهود مكافحة الإرهاب.
رابعاً: العمل على تحديد مناطق آمنة في سورية لإعادة جزء من اللاجئين إلى تلك المناطق تحت إشراف أممي. والمناطق المرشحة لذلك هي شمال وجنوب سورية، حيث يتواجد الملايين من اللاجئين في تركيا والأردن. والهدف الأساس من هذا الإجراء هو إيجاد حل مؤقت لمشكلة اللاجئين وتخفيف الهجرة لأوروبا، بخاصة غير الشرعية منها.
إن الاستراتيجية التي يسعى لبلورتها ترامب لمكافحة الإرهاب والتطرف تبدو أكثر شمولية من تلك التي اعتمدتها الإدارة السابقة. بالرغم من ذلك، فإن سياسة ترامب في هذا الجانب قد تواجه مصاعب كثيرة في تنفيذها، خاصة أن ترامب اتخذ بعض القرارات في الأيام الماضية، لا سيما وقف استقبال اللاجئين السوريين في الولايات المتحدة، ومنع مواطني ست دول عربية ذات أغلبية مسلمة من الدخول إليها. ولا يقل أهمية عن ذلك إعلانه عن نيته نقل السفارة الأميركية إلى القدس. فكل هذه الإجراءات ستكون لها آثار سلبية على علاقة الولايات المتحدة بالمنطقة، وقد تؤجج المشاعر لدى البعض ويحصل خلط في المفاهيم والحدود الفاصلة بين الحرب على الإرهاب والمساس بالمشاعر الدينية للمسلمين في المنطقة.
آن الأوان بعد أربع سنوات من ظهور "داعش" أن يعاد النظر بالحرب على الإرهاب. وقد نرى تغييراً جذرياً في هذه المسألة.