نهاية العالم الآن... مجرد فيلم!

لماذا اهتم الناس في مصر كثيراً بملاحقة أخبار اعتيادية كالقبض على النائب خالد يوسف في المطار مثلاً، ولم يلتفتوا إلى دعوات «الإخوان» وحلفائهم من بعض اليساريين والناصريين و «ثورجية» الفضائيات لعصيان مدني في ذكرى مرور ست سنوات على أحداث 25 كانون الثاني (يناير) 2011؟، لماذا تابعوا بشغف جولة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالحنطور في شوارع أسوان ولم تجذبهم دعوة الدكتور محمد البرادعي إلى مريديه للائتلاف والانضواء تحت لافتة حزب واحد؟ لماذا رفع المصريون أعلام بلدهم لتشجيع فريقهم في كرة القدم ولم يرفعوا علامة رابعة التي تحولت شعاراً للإخوان؟ الإجابة ببساطة أن غالبية ما يكتب أو يبث عن مصر من خارجها لا يعبّر عن واقعها.

 

 

منتهى التناقض: صخب وضجيج، وأصوات عالية وتهديد ووعيد ودعوات للثورة، والخروج إلى الشوارع والميادين، ومشاهد في قنوات «الإخوان» تعكس غضباً شعبياً واحتقاناً جماهيرياً، وفوضى عارمة تعصف بالبلاد، ومحللون استراتيجيون ورموز إخوانية فارون ومقيمو في الخارج، احتلوا أماكنهم في الاستديوات ليعرضوا على العالم تجربة الجماعة الوردية في حكم مصر، والمآسي التي تعانيها البلاد الآن نتيجة إطاحة محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، وتنظيراً في شرح «البلاوي» التي ستقع على مصر نتيجة سياسات السيسي. هكذا بدا الأمر عبر قنوات تلفزيونية إخوانية أو داعمة للجماعة تبث من خارج مصر أثناء احتفائها بذكرى مرور 6 سنوات على أحداث 25 كانون الثاني 2011، بشرت العالم ومحبي الإخوان في كل مكان ورعاة «الثورجية» ودافعي فاتورة الفوضى بأن ثورة مقبلة ستنفجر وأن نظام الحكم في مصر أشرف على السقوط!. في المقابل بدا الواقع شيئاً آخر تماماً، فإذا انتهيت من جولتك على تلك القنوات ثم خرجت إلى الشوارع وجِلت في المدن المصرية ستكتشف أنك كنت تشاهد فيلم «نهاية العالم الآن» وأن العرض انتهى. كانت مكتبة الإسكندرية اختتمت مؤتمراً استمر لثلاثة أيام شارك فيه عشرات المثقفين والسياسيين العرب حول سُبل مواجهة التطرف والإرهاب فكرياً وسياسياً وثقافياً، وفضل غالبية المدعوين الانتقال إلى القاهرة ليقضوا فيها بضعة أيام قبل أن يعودوا إلى بلدانهم ليعيشوا واقع العاصمة المصرية، خصوصاً أن بعضهم ظل على مدى شهور يتعرض لآلة «الإخوان» الإعلامية الضخمة، يحلل ويضع «روشتات» لعلاج أمراض مصر، متأثراً بما كان يعتقد أنه الحقيقة. اكتشف هؤلاء أنهم كانوا ضحايا خدعة كبيرة وأن ابتعادهم عن مصر جغرافياً وزمانياً لفترة صوّر لهم أن «أم الدنيا» على وشك السقوط.

 

 

على أرض الواقع مر يوما 25 و28 كانون الثاني من دون فوضى أو تظاهرات أو صدامات، إلا من صخب تجمعات المصريين الضخمة في الميادين والأندية ومراكز الشباب والمقاهي لمشاهدة المنتخب المصري في منافسات البطولة الإفريقية. إنه التناقض الذي يشعر به كل زائر لمصر يراقب أحوالها من الخارج وتمنعه ظروفه من أن يتردد عليها فيرصد التطورات فيها عبر وسائل إعلام غربية ما زالت تعالج أوجاعها نتيجة سقوط حكم «الإخوان»، وأخرى إخوانية تعيش في عالم آخر، بينما السائر في شوارع الإسكندرية ثم القاهرة أو الذي يتجوّل في محافظات أخرى تصيبه الدهشة! أما تلك الدعوة التي صدرت من عدد من المصريين الفارين والمقيمين في تركيا لعصيان مدني فأثارت سخرية من انتبهوا لها، فكل دعوة صدرت من تركيا للثورة أو لانتفاضة أو تظاهرة أو عصيان لم تحظ إلا بالفشل. لا يعني مرور ذكرى 25 كانون الثاني من دون أي مظاهر احتجاج أن الحياة وردية في مصر أو أن البلد يعيش في ظروف اقتصادية «مرتاحة» أو أن المصريين انتهوا من سداد فاتورة مرور شظايا الربيع العربي فوق رؤوسهم، فالبلد فقير، وفقاً للتعبير الذي استخدمه أول من أمس الرئيس السيسي نفسه، لكن يسعى للنهوض من عثرته، والمواطن يعاني لكنه لم يسلم بلده لمن يسعى إلى تدميره، والشعب يواجه الإرهاب ويسقط من أبنائه الشهداء لكنه يدرك أن نَفَسَه أطول من أنفاس الإرهابيين. القادم إلى مصر من خارجها سيدرك بعد أيام من وجوده بين شعبها أن «نهاية العالم الآن» مجرد شريط سينمائي.