أحياناً... (صفارة الإبريق الفواح)

وهو إبريق معدني يستخدم لغلي الماء، أبرز استخداماته المتكررة غلي الماء لتجهيز الشاي، في مراحلة الأولى كان الماء يفور بعد غليانه لينسكب على ما حوله محدثاً أوساخاً، وربما يطفئ النار، ثم تم تطويره من الصانع بوضع صفارة تطلق صوتاً بفعل البخار المتصاعد، ما يمكّن المستخدم من التنبه قبل فوران الماء المغلي، هذه الأسطر لمن لا يعرفه، أما من يعرفه فربما يتفق معي أن هناك صفارات حديثة أصبحت تقدم التنبيه المبكر مع تصاعد أول خيوط البخار الساخن.

 

 

مجتمعياً فإن وسائل التواصل تمثل «إناء» ماعوناً كبيراً يخبر عن حال المجتمع، همومه وشجونه، أحلامه وآماله، فهي إذا ما أحسن رصدها والتنبه لها جاءت بخير وأصلحت أوضاعاً معوجَّة، وفرغت بالونات قبل تضخمها أو انفجارها.

 

 

خليجياً وسعودياً يمثل «واتساب» و«تويتر» أفضل نموذج للإبريق الفواح، عربياً ربما «فيسبوك» أكثر «غلياناً» في دول عربية أخرى مثل مصر واليمن والمغرب العربي. لم نصنع إبريقنا فجاء من صنع إبريقاً لنفسه ولنا، وهو يتحكم حالياً بكل تفاصيل ذرات الماء الذي يغلي، يستطيع إذا ما أراد رفع درجة الحرارة أو تبريدها، يمكنه إذا رغب إضافة نكهة مستساغة كانت أم لا.

 

 

لكن من الواضح أن القادرين منا لم يكن من صلب اهتماماتهم صناعة إبريق خاص بنا، «نركد» فيها الشاي على طريقتنا، بحيث يكون متوازناً، وحتى بعد تزايد عدد الأباريق الأجنبية لم يتم التفكير بذلك. إنما هل يستفاد من تحذيرات الصفارة مبكراً أم لا، هذا السؤال الذي لا أملك الإجابة عنه، أما من زاوية التخمين والتوقع فلا مؤشرات إيجابية على ذلك.

 

 

لقد عشنا فترة طويلة من الجمود تجاه كثير من التطورات والظواهر في مجتمعنا، تم شراء الكثير من الوقت مع الإرجاء، كان البطء سيد الموقف، ولم تكن الأباريق الفواحة بهذا الحضور وهذه القوة، والآن أرى أننا نسرع أكثر من اللازم، ما بين الجمود والسرعة فارق كبير في أثر الانتقال من تلك الحالة إلى الثانية، ومثلما أن للجمود والبطء أضرارهما وأخطارهما، أيضاً للسرعة والعجلة ضررهما وخطرهما، وهناك دائماً حالة وسط تبتعد عن البطء ولا تقع في فخاخ التسرُّع.