هل تنجح المقاطعة ؟

من المؤسف الاعتراف بأن حملات المقاطعة لبضائع معينة، لا تحقق نجاحا كاملا في بلادنا، حتى لو ظهرت للمراقبين عبر وسائل التواصل، أنها كذلك. لأنها وفعليا لا تتجاوز مساحة التعبير الكلامي غير المقرون بالفعل، بما أن الأمر لن يتجاوز أكثر من الدعم والمساندة اللفظية، في ظروف لا يمكن أن يكتشفها أحد أو يلقي القبض على تجاوزات المقاطعة، طالما الأمر متعلق بشأن منزلي لن يراه الآخرون.
فرغم أن جمعية حماية المستهلك قد أعلنت أمس، عن تجاوب "منقطع النظير” في حملة مقاطعة البيض والبطاطا، والتي دعت إليها مؤخرا، وهذا خبر يثلج الصدر إن كان مستندا على حقائق وأرقام علمية، لكننا لم نشاهد في المقابل شكاوى تخص تجار هاتين السلعتين، من عزوف ملموس من قبل المستهلكين، أدى بهم إلى إعادة التفكير بقضية رفع الأسعار.
هذا الأمر لا يعني بالمطلق أن تجاوب المجتمع مع الحملة سواء أطلقتها الجمعية، أو ناشطون على وسائل التواصل، لا يعتد به أو لا يشكل فارقا! إنما الاعتراف بأننا لم نعتد على المواجهات الاقتصادية، واحتجاجات العيش يجب أن يكون حاضرا، على أرضية تجارب سابقة مارستها علينا الحكومات، ولحق بهم التجار، وكانت لهم الغلبة في معظم الأحيان، نظرا لانعدام قيادة شعبوية اجتماعية وسياسية تتصدر المشهد. ثم لأننا شعب نَفسنا قصير نسبيا إلى الشعوب التي تقرر أن تفعل ذلك وتستمر إلى النهاية، ربما لانعدام الثقة بأي تغييرات جدية يمكن أن تحصل على أرض الواقع، فيستفيد منها الجميع. 
فعلى الرغم من أن حراكات ونشاطات مماثلة قد نجحت بالفعل، إلى اقتياد الحكومات لقرارات تمس عيش المواطن، لكنها وإن درسناها جيدا، سنكتشف أنها حراكات ضد بالونات اختبار تطلقها المؤسسات الرسمية، لتقيس نبض الشارع، وكثيرا ما انفجرت بوجهها فتعود أدراجها عن اتخاذه مرحليا، كما حدث مع قضية جرة الغاز مؤخرا. 
لكن فيما يخص حماية الطبقة الوسطى والفقيرة في المجتمع، من جشع التجار واستغلالهم غير المحدود لأي ظروف تخدم جيوبهم، وتصبح قراراتهم إجراءات مسلما بها، فإن كثيرا من حملات المقاطعة لا تقدر على مواجهتهم، لمدة طويلة.
فالبيض على سبيل المثال، مادة أساسية جدا على موائد الناس من الطبقات كلها، ولكن من يدفع ثمن ارتفاعها الكبير هم الفئة غير القادرة على شرائها، وبالكميات التي اعتادت عليها. إنما لو تمكنت تلك الفئة من تدبير ثمنها لاحقا، فإنها ستعود وتشتريها مجبرة على أسعار لم ترحم ظروفها أو تتجاوب مع نداءاتها. والفئة المتوسطة من الشعب والتي تشكل غالبية المستهلكين، وغالبية المحتجين "افتراضيا” على ارتفاع الأسعار، ستقوم بشراء تلك السلعة بمجرد أن تنفد من الثلاجة، ثم تعود خلف شاشاتها لتشتم وتلعن وتندد وتقاطع!
هذه هي الحقيقة وإن كانت ستمس كرامة كثيرين ممن يواصلون حملاتهم، معتقدين أن إعادة التغريدات أو مشاركة "الهاشتاغات” دليل قاطع على نجاح الحملات، ثم تتبعها بعض التقارير الإعلامية عن تأثير المقاطعة على رفوف الأسواق المكدسة بالبضائع المقاطعة. 
لا يمكن أن تنجح حملات مقاطعة بدون قيادة سياسية واجتماعية مؤثرة وصارمة ومتابعة ونشيطة، كما يحدث في بلاد تضم بين مؤسساتها اتحادات عمالية هي في العادة من تأخذ زمام المبادرة، في إدارة مثل تلك الحملات. وإن غابت مثل تلك المؤسسات في بلادنا، فإن رديفا مساويا لها يمثل القاعدة الشعبية هو غائب أيضا، إلا إذا كان الاعتماد على مجلس الشعب في أداء مثل تلك المهمات!
ثم إن الإرادة ليست قوية تماما حين يتعلق الأمر بمادة غذائية، ليس لها بديل ينوب عنها في السوق، ولا تشبه الإرادة في مقاطعة بضائع الكيان الصهيوني مثلا، والتي تنجح جدا هنا، حين يتعلق الموضوع بشأن وطني ووجداني، ثم يمكن استبداله بخيارات محلية.
حملة مقاطعة البيض إن لم تتلقفها هيئات نقابية وأحزاب سياسية تدّعي تبنيها لقضايا المواطن، وتقوم أساسا على تلك الشعارات، تقف للتجار وجها لوجه وتحاسبهم وتعاقبهم بالقانون، فإنها لا يمكن أن تستمر في نجاحاتها القصيرة، إن كان المواطن بخياراته المحدودة سيظل وحيدا في الساحة.