ليس سهلا أن يكون المرء مواطنا في دولة ديمقراطية



في كتابه الجامعي الصادر العام 1997، "السلطة والاختيار" (Power and Choice)، يتحدث دبليو. فيلبس شيفلي عن العلاقة بين المواطن والدولة والحكومة الديمقراطية، فيقول (بتصرف): لعلّ الخاص الأهم في هذه العلاقة حاجة الديمقراطية إلى انتقاد المواطنين لها، وبأكثر ما يستطيعون، أو للحكومة يطيعون.
يكفي اعترافهم بالنظام الديمقراطي وبالحكومة المنتخبة ليكون لهم عليهما سلطة مشروعة، لأن اعترافهم بهما يضمن طاعتهم للقوانين، على عكس ما يحدث في النظم والحكومات اللاديمقراطية التي تولد الحماسة وتشعله بالمواكب والاحتفالات، ومنظمات الشباب، والنوادي، والنفاق والإعلام... لإضفاء الشرعية عليها.
نعم، قد تتجاوز الديمقراطية هذه الحالة، لكن ليس في إطاعة المواطن للقانون فقط، وحماسه الشديد للديمقراطية، ولكن في نقده الحاد لهما لدرجة إسقاط الحكومة بالإقتراع التالي. وعليه، ليس سهلاً أن يكون المرء مواطناً في نظام ديمقراطي، لأن المطلوب منه فيه كثير، ومن ذلك:
- التحلي بالتسامح، أو –على الأقل- بالسماحة نحو التنوع أو التعددية في الدولة، حيث لكل من الجماعات رأيها المخالف أو المختلف. فإذا لم يطق الناس وجود الآراء المختلفة، وإن كانت غير شعبية، فإن الديمقراطية لا تعمل جيداً. ومن ثم، يجب أن يكون المواطنون سموحين أو متسامحين مع مختلف الأعراق والأديان والمذاهب والمعتقدات السياسية والسلوكات الاجتماعية التي يختلفون معها، ما لم تدع أو تعمل لنشر الكراهية والعنف (والإرهاب) في المجتمع. ففي ما عدا ذلك، يسمح معظم المواطنين في النظام الديمقراطي لكل هؤلاء بالتعبير عن آرائهم بحرية، وإلا حرم المواطنون أو الناخبون من المدى الواسع للآراء والاختيارات.
- المشاركة النشطة. إذ تطلب الديمقراطية من المواطنين أن لا يكتفوا بمجرد إطاعة القوانين، لأن السلطة في النظام الديمقراطي أشبه بشارع ذي مسربين: فمن جهة يتمسك المواطنون بسياسة صلبة لممارسة سلطتهم على الحكومة، أقلها المشاركة في الانتخابات؛ ومن جهة أخرى يحافظون على الاتصال معها من خلال نوابهم، أو من خلال المشاركة في الحملات السياسية، أو الاحتجاج أو التظاهر.. أو الكتابة، وإلا كانت الدولة غير ديمقراطية؛ للحكومة فيها سلطة على المواطن ولكن ليس بالعكس.
يجب على المواطن في نظام ديمقراطي الاقتراع بانتظام. وبعض النظم يسمح له بأن يقترع أو لا يقترع، وبعضها يجعل الاقتراع إجبارياً ليكون شريكاً في الحكومة الجديدة، فينغمس في نقدها مع أنه أسهم في مجيئها بامتناعه عن الاقتراع.
- معلومات واهتمام عال المستوى. إذ لا تكفي مشاركة المواطن الديمقراطية بفاعلية إذا لم يكن عارفاً بالموضوع أو القضية؛ أي ما يجري، وإلا كان تأثيره على الحكومة ضعيفاً. إن الفعل غير المبني على الصالح العام والفهم السليم يُضيع الهدف، ويجعل فعل مواطنين يلغي فعل آخرين. لتكون المشاركة بناءة، تحتاج الديمقراطية إلى مواطنين يعلمون.
- دعم الدولة. أي دعم الدولة ونظامها الديمقراطي، جنباً إلى جنب الشك في نوعية المسؤولين إذا كان على المواطن المحافظة على سلطته على الحكومة. مثلما تتطلب، في المقابل، المحافظة على سلطتها على المواطنين. وهما أمران صعبا التحقيق لأنهما يتطلبان بقاء المواطن شاكاً في مسؤولي الحكومة، ومستعداً لإسقاطها بالاقتراع عندما يلزم. إن التوازن بين محافظة المواطن على دعم الدولة وإجراءاتها الديمقراطية، المجرد أو المعنوي، وبين شكه في نوعية الأشخاص التي تضعهم في مراكز معينة، دقيق وحساس تصعب المحافظة عليه، ولكنه موجود في ديمقراطيات كثيرة مثل بلدان أوروبا الغربية ونيوزلندا وأستراليا واليابان.. فإذا جاء سؤال في استبانة للمواطن، بوجه عام: ما الشيء أو الأشياء التي أعظم ما تفتخر بها في بلدك، وكان الاختيار الأول: الثقة في نظامه الديمقراطي، كان ذلك علامة على الصحة وعلى تمسك المواطنين العنيد به.