استعادة الثقة والطمأنينة

أخبار البلد - د.موسى الشتيوي 

لم يعد سرّاً أننا نعيش في أجواء يسودها عدم الثقة والقلق على المستويات كافة. وهي ليست حالة فريدة يعانيها الأردن، بل هي مشكلة تعاني منها شعوب ودول المنطقة. المهم أردنياً أن هناك تراجعا للثقة على المستويات المختلفة، وأهمها تراجع الثقة تراكميا بين المواطنين والحكومة، لا بل يتعداها هذا التراجع إلى الأطر والمؤسسات المنتخبة التي من المفترض أنها تمثل الشعب، مثل البرلمان، أو الأطر التي تنشأ لتدافع عن مصالح المواطنين، مثل الأحزاب والمجتمع المدني. بل تتجاوز المشكلة العلاقة بين المواطنين والمؤسّسات، لتمتد إلى داخل المؤسّسات نفسها، سواء كان ذلك داخل الفريق الحكومي أو بينها وبين الجهات الرسمية الأخرى. ولو أخذنا مثلاً العلاقة بين أعضاء مجلس النواب التي سرعان ما تتحول، في بعض الأحيان، إلى مشادات وخلافات، فإنها تنمّ عن ضعف قبول ثقافة الاختلاف واحترام الرأي الآخر التي يفترض بالمجلس أن يكون أنموذجاً يرسخ هذه التقاليد والأعراف ليهتدي بها الآخرون.

المشكلة لا تنتهي، إذ تمتد إلى الشعب نفسه، بعلاقة الناس بعضهم بعضا؛ سواء على الصعيد الفردي أو الجماعي، حيث يجب أن تسود درجة من تحمّل الآخر وقبوله، والاعتراف بحقه حتى لو كان هناك اختلاف بالرأي معه.

باختصار، هذه الأجواء من عدم الثقة وعدم اليقين هي مؤشر إلى غياب ضباط للإيقاع الثقافي أو السياسي، ما يؤدي إلى مضاعفة المشكلات والتحديات وضعف القدرة على التعامل معها. لكن أود أن أؤكد أن هذه الحالة هي نتاج لواقع وظروف محددة، وهي ليست السبب في النتائج المترتبة عليها.

انعدام الثقة أو ضعفها بالمؤسّسات، تتحملها المؤسّسات نفسها؛ إذ إنها ترتبط ارتباطاً مباشراً بأدائها وسلوكها، وبخاصة في السياسات العامة والقرارات التي تتخذها. وقد تكون أكثر أهمية درجة الشفافية والصدقية اللتين اهتزتا في السنوات الماضية لعدم شعور المواطنين بأن الحكومات المتعاقبة قادرة على الاستجابة لاحتياجات المواطنين والتعامل مع التحديات المستجدة. وضعف الكفاءة والأداء كانا يتزامنان أحياناً مع أشكال مختلفة من الواسطة والمحسوبية وعدم الاكتراث. ونتيجة لذلك، اهتزت صورة الحكومات أمام الناس، وأصبحت بحاجة لجهود إضافية تلامس هذه الحال.
الأمر لا يتوقف عند الحكومة، فالبرلمان -المؤسّسة التشريعية المنتخبة، والمفترض أنها الأقرب للمواطنين، بحكم أن أعضاء المجلس هم خيار الشعب- ساهم من خلال سلوكيات البعض في تعزيز الصورة السلبية، ولا سيما حيال الأداء الضعيف للمجلس، واهتمامه بمصالح أعضائه، وعدم احترام البعض للرأي الآخر ممن هم  داخل المجلس بمجرد اختلاف الرأي معهم.

الحكومة والبرلمان أهم مؤسّستين لهما علاقة بضبط إيقاع تصرفات الشارع. وإذا لم تقدما أنموذجاً في العمل العام واحترام قيم الديمقراطية والعدالة واحترام الآخر، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك بشكل مباشر في تعامل الناس ليس فقط مع هذه المؤسّسات بل مع بعضهم بعضاً.

إن أجواء عدم الثقة والتشاؤم والسوداوية التي تسود المجتمع اليوم، أصبحت تنتقص من الإنجازات التي حققها الأردن؛ مجتمعاً ودولة على حدّ سواء، لا بل إنها أصبحت تعيق وتضعف قدرة المؤسّسات والأفراد على أداء واجباتهم وأعمالهم براحة ويسر. إن أسباب هذه المظاهر لها جذور في التطورات الإقليمية والمحلية، ولكن المسؤولية تقع على المؤسّسات التي من المفترض أن تتولى القيادة في هذه الأحوال. لقد أصبحنا بحاجة لاستعادة الثقة وتبديد المخاوف حيال المستقبل. إن ضبط إيقاع هذه المسألة لا يقع على عاتق مؤسّسة بعينها، وإنما هي مسؤولية جماعية، ولكن البدء يجب أن يكون بالمؤسّسات المنوط بها إدارة شؤون البلاد. وعليه؛ نحن بحاجة لضبط إيقاع العلاقة بين المواطنين والمؤسّسات، وأعضاء المؤسّسات أنفسهم لتعزيز الثقة؛ وعودة الطمأنينة؛ وتبديد المخاوف.