متلازمة الطبقة الوسطى والأمان الاجتماعي

أخبار البلد - د.فيصل غرايبة

في أحاديثه المهمة والواضحة الأخيرة مع المواطنين والاعيان والنواب في أكثر من لقاء،شرح جلالة الملك المفدى طبيعة مشهدنا الوطني بما فيه من عقبات وصعوبات وتحديات تستدعي العمل بدأب ومثابرة،لتخفيض النفقات وخاصة ببنود الرواتب العليا للمسؤولين والمياومات والامتيازات وسد الفجوات بين النفقات والايرادات،وحماية ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى.

لقد طالب جلالة الملك الحكومة مرارا،بالعمل على إحياء الطبقة الوسطى والمحافظة عليها،كشريحة هامة من شرائح المجتمع الأردني،لا بل هي لب المجتمع الأردني،كما أشار إلى أن العدل أساس الملك،والنقطتان تلتقيان عند العمل أولا،وعند التحقيق ثانيا للمحافظة على الطبقة الوسطى وتعزيزها. ان سيد البلاد في سعيه لتحقيق العدالة الاجتماعية يتطلع للطبقة الوسطى ويدعو إلى تقويتها،ففي ذلك أساس للأمن الاجتماعي للمجتمع،نبعد عنه التمايز بين الطبقات ونزيل التغول والاحتكار،الذي تحاوله الطبقة الغنية، والتي تدعى بالطبقة العليا،خاصة وهي تسعى إلى أن تستأثر وتسيطر وتحقق التلازم بين الاقتصاد والسياسة،وتدخل من باب التشريع،لتسهيل مهمتها وشرعنة نشاطاتها وخاصة فيما يخص الاستثمار والأسعار والاستيراد والتصدير والتشغيل والتوظيف والإعفاءات والامتيازات،وتزيد بالتالي من الفقراءوتهبط بالكثيرين من أبناء الطبقة الوسطى إلى الطبقة الأدنى،اذ عجزوا عن المحافظة على المستوى المعيشي الذي كانوا عليه.

لقد ضغط الغلاء العالمي والأزمات الاقتصادية العالمية وحركة التجارة الدولية،وازدياد الاضطراب السياسي من حولنا،والفساد المالي والاداري المؤسسي على الطبقة الوسطى،فتوسعت الطبقة العليا على حسابها،وانتقلت شريحة الوسطى/العليا إلى شريحة العليا/الدنيا،بفعل الأسواق المفتوحة وحرية التجارة،والرواتب الضخمة وخاصة بالقطاع الخاص والمؤسسات المستقلة،وظهرت على هذه الشريحة ندبة حديثي النعمة وأثرياء الصدفة،وهبط الكثيرون من محدودي الدخل والإمكانيات من شريحة الوسطى/الدنيا،إلى شريحة الدنيا/العليا.

وبناء على القول الملكي الفصل فقد جاء يوم الالتزام الوطني تجاه الطبقة الوسطى،وإعادة تعيير ميزان العدالة الاجتماعية،وإحكام ضوابط الأمن الاجتماعي،وهذا لا يتأتي إلا بتهبيط شرائح من الطبقة العليا،وترفيع شرائح من الطبقة الدنيا،ليضاف من هبط من أعلى ومن ترفع من أدنى الى الطبقة الوسطى.وكما أبان جلالته ان الحل يمكن أن يترجم باجراءات خفض الرواتب والمكافآت لكبار المسؤولين،في القطاعين العام والخاص،والتقليل من المزايا والتسهيلات،ووقف سياسة الاسترضاء،والمساواة بالرواتب بين أصحاب ذات المؤهلات،بين من هم في نظام الخدمة المدنية ومن هم بالمؤسسات العامة المستقلة والمغلقة،وعدم إسناد أكثر من وظيفة لشخص واحد،تتعدد فيها الرواتب،بينما جاره المستحق لا تسند إليه أية وظيفة،وعدم إعادة من تقاعد بالتعاقد برواتب أضخم،وإعادة النظر بأمر تقاعد من لم تكن له خدمة تقاعدية سابقا،وتولى المسؤولية لفترة قصيرة،والحد من الاعتماد على العمالة الوافدة.

ويقتضي الحال ترشيد الإنفاق الحكومي،بما فيه إيقاف أوجه الصرف على نواح كمالية وباذخة،بالأثاث والسيارات والحفلات والمؤتمرات والمهمات الخارجية،عدا عن استحداث وظائف بعقود برواتب مبالغ فيها،لا أهمية لها ولا مردود يذكر،والحد من الفساد المالي والإداري في المؤسسات العامة،والذي كشف القضاء وهيئة مكافحة الفساد نماذج منها،التي تتمثل بالسطو على المال العام اختلاسا وتدليسا،عدا عن الرشوة والسمسرة والعمولات.ووضع حد أعلى للرواتب،مثلما نضع حدا أدنى للأجور،ولتكن الرواتب مثلا بين 400 دينار كحد أدنى و5000 دينار كحد أعلى.

لقد أفادتنا التجارب في مختلف انحاء العالم أن ارهاق المواطنين بالجباية وفرض الضرائب لا يحل مأزق الموازنة العامة للدولة،لأنها تزيد من التوترات الاجتماعية مما يُضعف من نسيج المجتمع ويحدث خللا في العلاقات بين القطاعين الرسمي والشعبي وتباعدا بين الموسرين والمعوزين وتزيد من فرص الجنوح نحو التطرف والعنف.

تشكل الدعوة الملكية الملحة في حقيقتها صفارة الانطلاق لاجراءات تصحيحية وخطوات اصلاحية تتخذها الحكومة وتشرعها وتراقبها مجلس الأمة كذلك ويتناسق القطاع الخاص معها وتحتاج التجاوب والاقدام من الجميع.

dfaisal77@hotmail.com