ابتكار قانون يقيد وسائل التواصل الاجتماعي وصمة عار



تريد الحكومة الأردنية أن تكون مبتكرة وسباقة في إقرار قانون لوسائل التواصل الاجتماعي مثلما كانت سباقة في إلزام الإعلام الإلكتروني بالترخيص.
حين عدّلت الحكومة قبل ثلاثة أعوام قانون المطبوعات والنشر لتلزم المواقع الإلكترونية بالترخيص بعد أن حجبت 291 موقعاً، قدمت وعوداً ومبررات كثيرة لم يصمد منها شيء؛
فالإعلام الإلكتروني لم يشهد قفزات نوعية، والقضايا المقامة ضده لم تتراجع، والضمانات التي قدمتها الحكومة بأنه جاء لحمايتها تنصلت منها بعد عامين، حين أصبحت المادة 11 من قانون الجرائم الإلكترونية واجبة التطبيق وهي التي تتيح توقيف وحبس الصحفيين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
الآن تعيد الحكومة نفس الأسطوانة، بأن قانونا جديدا للتواصل الاجتماعي هو لحماية المجتمع من خطاب الكراهية والحضّ على العنف والعنصرية والطائفية.
أوافق الحكومة بأن هناك خطاب كراهية وحضا على العنف وشحنا عنصريا وجهويا ومذهبيا، نحن ضده ولا نتسامح معه ونرفضه، ولكن لا نوافق على أن الحل بقانون جديد.
حاولت التواصل مع الحكومة لمعرفة تفاصيل مشروع القانون الذي تريده حتى تكون وجهة نظرنا أكثر موضوعية، غير أنني لم أجد إجابات، وكل ما علمت به أن هناك قانوناً آخر لخطاب الكراهية وهو قيد الدراسة.
سئلت أكثر من مرة، لماذا تعارض ضبط وسائل التواصل الاجتماعي وأنت تشهد هذه الفوضى والإشاعات وتسريب معلومات قد تضر الأردن وأمنه، فكان الرد، وهل لدينا قصور تشريعي حتى يتطلب الأمر قوانين جديدة؟
باعتقادي توجد مظلة تشريعية كافية لملاحقة المتهمين بخطاب الكراهية والتحريض، والدليل أنه تمت ملاحقة 12 متهماً بالإساءة للضحايا الأردنيين في العملية الإرهابية التي وقعت في إسطنبول، وقبل ذلك جرت ملاحقة آخرين لا نعرفهم بالاسم وعلى الأقل نتذكر توقيف العديد من المتهمين بعد اغتيال الكاتب ناهض حتر، وهذا يعني بصراحة أن مواد القانون تسعف السلطات لملاحقة ومساءلة من تعتبرهم منتهكين، فلا عقوبة ولا ملاحقة الا بنص قانوني.
الأمر لا يحتاج إلى عبقرية ومعرفة ضليعة بالتشريعات، يكفي أن نشير إلى أن قانون العقوبات يغطي أكثر الأفعال المجرّمة، بدءاً من الذم والقدح، إلى إطالة اللسان على الأنبياء وأرباب الشرائع، والحط من كرامة الأردنيين، هذا عدا عن قانون الجرائم الإلكترونية، وقانون أنظمة المعلومات، والمعاملات الإلكترونية، وانتهاك حرمة المحاكم، ومكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى القوانين الخاصة بوسائل الإعلام.
حين تصر الحكومة على قانون جديد رغم هذه الترسانة من القوانين، نشعر بالريبة والخوف والتوجس، ونصبح أكثر قلقاً على حرية التعبير، فالخيط الفاصل بين حرية التعبير وخطاب الكراهية دقيق جداً، وحين لا يوجد تعريف قانوني منضبط لخطاب الكراهية أو المس بالأمن الوطني فإن من السهل على الحكومة استخدام القانون الجديد للضغط على منتقديها ومعارضيها والعصف بحرية التعبير تحت ذرائع وحجج كثيرة.
مخاوفنا مبررة من استخدام الحكومة لتشريع جديد قد يضيّق على حرية التعبير، فهناك شواهد بأنهم استخدموا حتى ماضٍ قريب القوانين القائمة لمحاكمة وسجن مستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي كتبوا انتقادات سياسية لا تشكل خطراً على الدولة، ويتضاعف القلق إن كانت الحكومة لا تقيم اعتباراً للمعايير والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها وتسمو على القانون الوطني.
لا أعرف شكل القانون الذي تفكر به الحكومة، ولا أعلم كيف يمكن ملاحقة ملايين "البوستات" على السوشيل ميديا كل دقيقة، وما هو دور شركات الاتصالات المزودة لخدمة الإنترنت بهذا القانون، مع العلم بأنها لا تمتلك أي صلاحية ولا تستطيع أن تغير شيئاً في مضمون ومحتوى المستخدمين للفيسبوك أو أي منصة للتواصل الاجتماعي؟
لا تملك الحكومة للتعامل مع أزمة فوضى المعلومات التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما تعانيه كل دول العالم وليس شأناً خاصاً أردنياً، سوى أن تلتزم بضمان حق المعرفة للناس وتقديم معلومات ذات مصداقية بشكل منتظم للجمهور، فهذا النهج كفيل بالحد من الاشاعات والافتراء والكذب ويقلل من تفشي خطاب الكراهية.
وتستطيع الحكومة والجمهور محاربة خطاب الكراهية ودعوات العنف بتبليغ شركات "فيسبوك، وتويتر" وأي منصة تواصل اجتماعي عن أي حسابات تروج لذلك وتقدم الحجج والأدلة على ذلك ليتم حجبها استناداً الى معايير حقوقية وليس لمواقف سياسية.
أخيراً أتمنى على الحكومة ومستشاريها القانونيين أن يراجعوا هذا التوجه، ويفكروا بعقل بارد بعيداً عن اللحظة الراهنة، وحالة الغضب التي اجتاحتهم بعد العمليات الإرهابية في الكرك، ونأمل أن لا نسجل وصمة عار جديدة بحق الأردن.