أخطاء يجب أن نتوقف عنها (2) تعبيرات طبقية


تناولنا في المقال السابق بعض الأخطاء التي يجب أن نتوقف عنها لنتفرغ لمعركتنا مع التكفيرين, وفي طليعة تلك الأخطاء وقف المناكفات والاستقطابات بين السلطات والعاملين فيها. وضرورة تعاونها, وبموازات ذلك لابد من أن يتوقف سائر السياسيين عن حملاتهم التشهيرية بالوطن ومنجزاته ومناكفة من هم في مواقع المسؤولية, لا لشيء إلا ظنا من البعض أنهم سيخلفون هؤلاء في مواقعهم, ونظن أننا في هذه المرحلة لسنا بحاجة إلى ثرثرة صالونات, وإطلاق تصريحات استعراضية, بمقدار مانحن بحاجة إلى حوار هادىء بعيداً عن التشنج, وبعيدا عن الاستعراض الذي يهدف إلى تسجيل الحضور, فعلاج المريض لا يعني قتله, وإصلاح الخطأ في مسيرة الوطن لا تعني التشهير بالوطن, وهز الثقة به وبمؤسساته, وهذه من الأخطاء التي أدمنها الأردنيون في السنوات الأخيرة, وصار علينا أن نتوقف عنها فليس لدينا وقت إلا لتحصين جبهتنا الداخلية, ورص صفوفنا, فالقوى التكفيرية على أبوابنا. بل لقد تمكنت من التسلل إلى بعض داخلنامن بعض الثغرات, كما شهدنا في اربد والبقعة والكرك, بعد أن اختطفت مجموعات من شبابنا, وحولتهم إلى خناجر في ظهر وطنهم, فالذين اشتبكوا مع الدرك والأجهزة الأمنية في اربد والكرك والبقعة لم يأتوا من خارج فضائنا, فهم أردنيون درجوا على تراب الوطن, قبل أن يرتدوا عليه, بعد أن خطفهم التكفيريون, وضللوهم عن حقيقة وطنهم, دون أن نلتفت نحن إلى حجم الخراب الذي ألحقناه بمؤسسات التربية والتعليم والتوجيه والإعلام, وقد صار مطلوباً الآن أن نتوقف عن المناكفات وأن نشمر عن سواعد الجد خاصة في مجال بناء مؤسسة التربية والتوجيه.

خطأ آخر يجب أن نتوقف عن ممارسته في هذه المرحلة, من تاريخ بلدنا في مواجهته مع القوى التكفيرية, هو أن نتوقف جميعا عن النفخ في كير الفساد دون دليل, واستناداً إلى إشاعات وأقاويل لا تستند إلى وقائع, ونحن هنا لا ندعي أننا في مجتمع مثالي خال من الفساد, بل لابد من الإقرار بأن لدينا فساد, كان غريبا وقوعه في مجتمعنا, لكنه بالتأكيد ليس بالحجم الذي نتداوله على صفحات التواصل الاجتماعي, وعبر المواقع الإلكترونية, التي يتغذى بعضها على الفساد وبالفساد, الذي يجب أن نحاربه بدون أن نبالغ بحجمه, لأن المبالغة تسهم في هز ثقة المواطن بوطنه, والأهم من ذلك أنها تشعر الجندي أن ظهره مكشوف, ولأنها وهذا هو الأخطر توغل صدور الكثير من شبابنا على واقعهم, فيقعون فريسة سهلة للفكر المتطرف, ظناً منهم أن هذا هو السبيل لتطهير مجتمعهم من الفساد, وأن هذا هو الطريق الذي يحقق لهم طهر الحياة المشحونة بقيم ومُثل الشباب وأحلامهم, وهذا يقودنا إلى المطالبة مجدداً باللجوء إلى ثقافة «التبين» أحكاماً للنص القرآني «فتبينوا» فكيف إذا تعلق الأمر بالذمم وبصورة الوطن وهيبته, فإنه لا يهز صورة الوطن في نفوس شبابه إلا إحساسهم بأن حقوقهم تؤكل, ذلك أن الفساد يرتبط في وجدان الناس بغياب العدالة, وهذا مدخل خطير من مداخل الفكر التكفيري, الذي يلعب على تنمية إحساس الناس بالمظلومية, وغياب العدالة, وتكافؤ الفرص, وكلها من مظاهرالفساد التي يكثر الحديث عن تناميها في بلدنا, وهو حديث في غالبيته الساحقة فوق أنه غير مبني على حقائق ووقائع, بل على إشاعات وانطباعات, فإنه في كثير من الأحيان لا يستهدف الإصلاح من خلال طرح البدائل, بل يستهدف التشهير بالأشخاص والمؤسسات لحسابات صغيرة في كثير من الأحيان يجري تصفيتها على حساب الوطن وصورته.

إن خطورة المبالغة في الحديث عن الفساد وتضخيم حجمه, إن هذا الحديث بدأ يعبر عن نفسه بتعبيرات طبقية تحمل بوادر حقد وحسد وغل, لم نكن نألفها في المجتمع الأردني قبل الآن بسنوات قليلة, كانت فيها ثقافة « التبين» أكثر تأثيراً قي بلدنا, حيث كان الواحد من أبائنا وأجدادنا يتحرج كثيراً قبل أن يخوض بحديث يتهم فيه أحد بالفساد أو الرشوة دون بينة, ودون دليل, وكثيراً ما طرقت أسماعنا في مراحل الصبا عبارة « ما بحط بذمتي» يقولها كبارنا عندما يسمعون اتهام من شخص لآخر, قبل أن يصبح قذف المحصنين والمحصنات أمرا في غاية السهولة والبساطة على صفحات التواصل الاجتماعي, وهو أمر إن لم يكن مقبولاً في سائر المراحل فإنه شديد الخطر في هذه المرحلة من تاريخ بلدنا, وهو يواجه تنظيمات التكفير وإرهابها لأن رمي التهم جزافاً يضعف الثقة بمؤسساتنا, وهذا ما يريده التكفيريون الذين نسهل مهمتهم بممارستنا للكثير من الأخطاء التي يجب أن نتوقف عنها فوراً.