الاردنيون في المهجر


لم تعُد الحدود الجغرافية تَحدُّ مِن انتماء الإنسان إلى عالَمه البشريّ الراقي، فقد تقارب الزمان والمكان وتقاربت الأفكار والمفاهيم، غير أنّ هناك أوطانٌ تمتاز بسماتٍ نادرة لا تنفكّ عن ارتفاع رصيدها بين الدول، منها – وبكلّ فخر – الأردنّ، فهو التراب الغالي والمعدن الأصيل والهواء العليل والمنبع العذب والمنبت المتجذّر كابرًا عن كابر، فلذلك أبناؤه يعتبرون أنفسهم وهم في سياجه: جنودًا، وفي ترحالهم عنه لأسباب المعيشة وطلب الرزق: سفراء، فحين القربُ تراهم قد وصلوا في محبته الذروة، ولا يزيدهم البعد عنه بالغربة إلا محبة واشتياقًا. ولا تكاد تجد أردنيًّا إلا وهو يعيش لأداء رسالة الحياة من أداء الأمانة في المعاملة وصدق اللهجة في القول، والمصداقية في العمل. لذا.. كم هو أسيف ومحزنٌ أن يتمّ اعتداء على أبنائنا الأبرار في الغربة، ومع أنّنا نعادي الاعتداء على أيّ نفسٍ بريئة كانت، إلا أنه من المستهجن أن يتمّ الاعتداء على أردنيين في أيّ بلدٍ كان، وما حصل من اعتداء على اثنين من الأردنيين مؤخرًا في أمريكا، ينبغي أنْ نستنفر بكامل قوانا لمنع أيّ تكرار لمثله.


وما أودّ التنبيه عليه هنا، أنّ الأردنيين استطاعوا بفضل الله ثمّ بفضل التربية بجميع مستوياتها، أن يكونوا سفراء إنسانيّة في كلّ العالَم، مما أدى أن يكونوا فوق المجهر في الغربة أو السياحة أو المهجر ، فانتماؤهم إلى وطنهم يجعل التواصل بين الأصل والفرع تواصلًا يحقق أعلى درجات الإنجازات مما يفرضُ احترام الآخرين إليهم، وحين الحديث عن إنسانٍ يتعامل بكلّ شفافية ومصداقيّةٍ وثقةٍ بالنفس عالية، فإنه ليس بحاجةٍ إلى أن يكون تحت مجهرِ أحدٍ، حيث لا يخفي وراء أكمته إلا الوئام والمحبة للآخرين.

حتى حينما يصيبُ الوطن واقعةٍ اجتماعية أو سياسيةٍ أو غير ذلك فإن الأردنيين يبرهنون على حبهم للوطن والانتماء إليه بشتى الوسائل الممكنة، ومن عاش في الغربة في بلدٍ كان فإنه يرجع إلى الأردنّ لينبئ الناسَ عن حبّ الناسِ للأردنّ والأردنيين. وحتى لا يكون القول من باب السردِ فحسب يلزمنا التنبيه على نعمة الله على عباده حين يرزقهم محبّةَ الآخرين والنّعم يقيدها الشكر ، فيلزمنا أيضًا أن نواصل درب الصلاح والإصلاح لنحيا على التراب الذي عشقناه بأمن وأمان ، وأن نربي أبناءنا على حبّ العمل، فالعمل يُبعدُ عنهم الفراغ المقيت، ونعلّمهم الثقافة بأنواعها التي تحمل محبّةَ الآخر مع زيادة جرعة محبةِ الأردنّ الذي يجمعنا حتى وإنْ عاش أحدهم في الغربة أو في المهجر فسيتنفّس من الهواء المنبعث من علمِ الأردنّ الذي يرفرف عاليًا كهمةِ أبنائه. والحمد لله على ما حبانا من محبة الآخرين.