ثرثرة في غرفة الماكياج .. ونهاية مذيع شجاع والقبض على جماعة الثالث من أيار

 

اخبار البلد- بسام بدارين-لا أحد يعرف ما إذا كانت الرواية التي يتناقلها الصحافيون في الأردن حول تخلص إحدى فضائيات القطاع الخاص المحلي من مذيع جديد ولامع حرك الأجواء الراكدة قليلا صحيحة، فالقصة تبدو (بوليسية للغاية) ورغم أن ذلك غير مستبعد عندما يتعلق بالكاميرات والمايكروفونات الحرة في بلادي، إلا أن صحة الرواية تدفعني بعد التحسب إلى الله تعالى للقول: (.. يا خرابي).

واستسمح القارئ الكريم بأن أروي القصة باختصار فلساني يدغدغني ولابد من بق البحصة على الطريقة الشامية.

محمد الحباشنة نجم جديد في سماء العمل التلفزيوني الأردني ظهر مع برنامج حيوي في محطة مغمورة خرجت من الفرن للتو.. الشاب الأنيق (خزق السقف) قليلا ولم يكتف بطرح موضوعات ساخنة، مثل سحب الجنسيات في برنامجه بل تخصص في عملية تثير القهر بصراحة وهي حصريا استضافة من لا تتاح لهم فرصة الظهور على تلفزيون الحكومة.

بين هؤلاء كان ولي العهد الأسبق الأمير حسن بن طلال الذي أطلق عبر برنامج الحباشنة عبارته الشهيرة (باصات للتأييد من معان بكبسة زر.. ما هذه المهزلة؟) وبينهم علي أبو الراغب الذي هدم بكلامه عند الحباشنة كل السقوف، وآخرون كثر من بينهم كاتب هذه السطور الممتن للحباشنة لسبب واحد فقط لا يخطر على البال، وهو إتاحة الفرصة الوحيدة لي في حياتي لإقفال برنامج على الهواء مباشرة مع عبارة صغيرة عن سحب الجنسيات فقد وجه المذيع السؤال الأخير في الحلقة قائلا: أستاذ بسام بماذا تصف سحب الجنسيات ومنحها في الأردن؟

الجواب أعجبني – إسمحوا لي ببعض الغرور- فقد قلت: إنه عهر سياسي وبيروقراطي.. ابتسم الحباشنة وقال نختم بهذه العبارة وودّع المشاهدين.

المهم ان جهة ما في غرفة الرقيب إياها قررت بان سياسة ضبط إيقاع الشارع تتطلب وقف (التنفيسات) التي يستفيد منها الحباشنة وأشكاله من دعاة التغيير والإصلاح، فوجهت للرجل عدة ملاحظات وطلبات ورفض التعامل معها.

وهنا حصريا الذروة في المشهد فقد قررت محطة رؤيا فجأة الاستغناء عن نجمها الوحيد عمليا من دون إبداء الأسباب وأخلاقيات الرجل منعته من كشف الطابق، لكن القصة التي يتداولها الناس وأنقلها على ذمة رواتها تقول ما يلي: الثري الذي يملك القناة أصلا يملك أيضا حصة كبيرة في بنك تجاري، وعلى نحو مفاجئ تدخل سلطات عليا في الدولة وتطرح ملاحظات (فنية) على البنك تكلف الكثير، وعندما تسأل الإدارة عما يجري يقال لها: أطردوا المذيع الحباشنة.

إذا كانت هذه الرواية صحيحة فيمكنني أن أرتاح قليلا الآن بعد طول معاناة، لإنني فهمت سبب عدم وجود (نجوم) في عالم الإبداع الأردني، فمع ذهنية بوليسية من هذا النوع ومؤسسة بيروقراطية بوليسية بالفطرة هي الأخرى يقودها بوليسيون بلباس ومناصب مدنية لا يمكن لأي إبداع أن يرى النور.. لذلك فقط يبدع أردنيون في إدارة قطاع التلفزيون في الخارج ويفشلون في بلدهم.

ولذلك فقط وخلال ثلاثين عاما لم نر إلا نجمين في عالم الغناء هما عمر العبدللات وديانا كرزون، وكلاهما يواجه القضاء حاليا بسبب خلافات مع منتجين.

وفهمت الآن لماذا لا يبادر أصحاب رؤوس المال ويساهمون في الإبداع الوطني، فإمبراطورياتهم المالية تهددها الذهنية البوليسية بجرة قلم ويمكن أن يحصل أي شيء معهم في عالم لا يحكمه القانون إلا افتراضا وعلى شاشة الحكومة فقط؟

وفهمت لماذا تتخذ الانتخابات المهنية أحيانا مسارات (جهوية) حتى بين القوميين واليساريين والإسلاميين فقد تحولت نخبة من المحامين فجأة إلى أبناء مدينة كذا عندما تعلق الأمر بفارق أصوات بين مرشحين من نفس القائمة، وعندما ظهرت مشكلة في تعداد الأصوات بانتخابات الصحافيين قال أحدهم لرئيس اللجنة التي تدير المشهد: إذا حسبت هذا الصوت لن تترك القاعة ماشيا على الأقدام بل محمولا.

مذيع مكحوش

نعود لمحطة رؤيا التي أدخلتها الذهنية البوليسية مؤخرا في (الخازوق إياه) بطريقة ذكرتني بمقولة طريفة لأحد الزملاء من كبار الكتاب في إحدى الصحف اليومية حيث يقول: يا أخوان كلما أدخل باب الجريدة وألقي التحية على أبو العبد (عامل الاستقبال) ثم أستمع لتوجهيات العبقري رئيس التحرير أشعر بأن قامتي تقصر قليلا عن اليوم السابق.. إذا استمر الأمر على هذا المنوال سأضطر للدخول زاحفا كالحشرات يوما ما.

ومع محطة رؤيا قد لا تتضح الرؤية ولا تمتد القامة زيادة عن اللزوم.

وهذا حصريا ما حصل عندما استضافني صاحبنا المكحوش الحباشنة باعتباري مهتما بقصة سحب الجنسيات في الأردن، فالتقيت في الكواليس قبل التصوير الزميل الذي سيشكل في مواجهتي الرأي الآخر وهو احد قادة حراك المتقاعدين وجنرال سابق.

التجربة الأولى برفقة الجنرال كانت طريفة عندما دخلنا معا علبة الماكياج التي ذكرتني بلونا الشبل ما غيرها واستديو الجزيرة في الخرطوم، حيث سألت لونا الشبل وهي تحتجزني معها في العلبة لأكثر من ساعة عن أطنان المساحيق التي تضعها على وجهها الجميل فأجابتني بانها (لزوم الشغل).

ويمكنني القول الآن بان ماكياجات لونا ـ إذا كنتم تذكرونها – لم تعجب إدارة الجزيرة العليا التي يبدو أنها معادية للماكياج أو لا تحبه كثيرا فلوحقت لونا واربع زميلات لها في قصة شهيرة العام الماضي عايشها محبو الجزيرة وأنا منهم دوما رغم اختلافي مع الأخ وضاح خنفر في موقفه العلني من مسألة الماكياج والتبرج.

المهم والمثير في الموضوع ان لونا انضمت إلى الحباشنة مع اختلاف المكان والزمان والنجومية بسبب رغبة شخص ما يعتقد انه يمثل الحقيقة منفردا ويحتكرها بفرض رأيه.

وحتى لا ننسى صاحبنا الجنرال فقد دخلت بمعيته لغرفة الماكياج وهي دائما على شكل علبة ضيقة ووضعت رأسي مثله تماما بين يدي مزينة شابة تبدو من أوروبا الشرقية في استديوهات تستأجرها محطة رؤيا.

في علبة الماكياج

الحلاقة لم تكن مثل لونا التي يتحول الضيف لحظة ما بين يديها (لشيء ما) من كثرة التركيز على الصوت والصورة والضوء والتوجيهات وانسحاح ألوان الماكياج.

صاحبتنا في عمان رقيقة.. ناعمة ترفض الكلام وتتعامل مع جميع الرؤوس بمسطرة واحدة محايدة حتى القهر، فهي لا تميز مثلا بين ما في داخل رأسي او رأس أي زبون آخر يتم تبييضه وتمشطيه على يديها استعدادا للتصوير.. بالمناسبة سألتها بإنكليزية ركيكة ورأسي بين يديها ألا تتكلمين؟ قالت: بلى فسألت: لم نسمع صوتك؟.. أجابت: لو تحدثت مع كل رأس لازدحم المكان بالرؤوس وتأخرت بالعمل ولذلك أفضل الصمت.

تبدو الشابة كالماكينة تضع مسحوق الماكياج الأبيض وتصفف الشعرات بدون أي تواصل إنساني أو فيزيائي مع الرأس، وهي بالضرورة لا تعرف من نحن وماذا سنهتف او بماذا سنهرف ولماذا حضرنا؟ كلنا بالنسبة لها مجرد رؤوس ستتعامل مع كل منها لعدة دقائق ثم سيطوينا النسيان.. فكرت لوهلة ان أخدعها وأبلغها بأني طه حسين مثلا او جون ترافولتا فتبين لي انها لا تهتم إلا بالتخلص من رأسي ووصول الساعة للتاسعة تماما حتى تنتهي مناوبتها فتذهب لبيتها وتنام لتستيقظ في اليوم التالي من اجل عملها النهاري.

لذلك حلمت فورا بأن رأسي بين يدي (حلاقة بلدي) تتفاعل معي بأي حديث من أي نوع بحيث اقضي على الحياد الغريب للكوافيرة المستوردة أو أستطيع تضليل بنت البلد وإقناعها بأني شخص مهم وسأقول بعد دقائق كلاما في غاية الأهمية، لكن الأخت المستوردة كانت تلاطش بالعربية على طريقة سائقي التاكسي الباكستانيين والهنود في أبو ظبي.

طبعا في مجتمعنا من الصعب ان تجد كوافيرة محلية تتعامل مع رأس رجل فتلك مهنة يعتقد اغلبنا انها معيبة جدا، واحد وزراء العمل السابقين عندما فكر بتعديل الأنظمة والسماح للفتاة الأردنية بالعمل بعد العاشرة ليلا صدرت فيه فتوى عشائرية غريبة وعجيبة تنص على ان يركب حمارا أجرب ثم يقبل مؤخرته عشر مرات على مدخل كل قرية أردنية.

وعندما حسبنا مع الزملاء عدد القرى الأردنية اكتشفنا ان الوزير المسكين مضطر لمليون قبلة على الأقل في ذلك المكان الموحش الذي حددته فتوى أصدرها بالمناسبة كاتب ومؤرخ خريج معاهد غربية ويؤلف كتبا باللغتين والأتعس ان المليون قبلة ستطبع على نفس المؤخرة لنفس الحمار فالفتوى العشائرية لم تنص على تغيير الحمار.

لكن عند الكوافيرة الشقراء حضر زميل لنا لوضع المساحيق فحزنت عليها بسبب صعوبة تبييض سحنته التي تشبه سحنة اهالي تشاد من شدة السواد الحالك.

المهم قبل وضع رأسي بين يدي الفتاة الحلاقة تناقشت أنا والجنرال المتقاعد وهو بالمناسبة خصمي المفترض في الحلقة التي تتناول سحب الجنسيات، فابلغني الرجل بأن البرنامج السياسي للمتقاعدين هو نفسه برنامج حركة حماس، لكنه أعاد صعوبة التحدث علنا بالموضوع لأسباب تتعلق بالصافرة إياها فاضطرني الرجل لسؤال نفسي طبعا: هل أستنتج من ذلك ان الصافرة إياها لم تصدح بصوتها في ما يخص بقية القضايا والملفات التي تحدث بها الأخوة في لجان الحراك المتعددة المتنوعة.

في بلادي الآن حركات بالطن فثمة شباب 24 آذار وضدهم تشكلت حركة شباب 25 آذار ثم صدرت بيانات باسم حركة شباب 15 نيسان تلتها بيانات حركة شباب 14 نيسان.. كل ذلك حصل بعد نداء الأول من أيار.

وبمناسبة توالد الحركات لابد من طرفة لكنها واقعية وحصلت فعلا، فقد اتفق مركز حماية وحرية الصحفيين مع بلدية العاصمة على تعليق بعض اليافطات في أماكن خاصة بالعاصمة احتفالا بالثالث من أيار/مايو وهو يوم حرية الصحافة بالعالم.

في منتصف الليل وبعيدا عن الزحام قام شبان عمال بتعليق اليافطة الأكبر فسارعت دورية أمنية في المكان لإيقافهم فامسك أحدهم بجهاز التواصل وأبلغ غرفة العمليات قائلا: سيدي لقد امسكنا ببعض الأفراد من جماعة الثالث من أيار