الإقليم يتحرك ويتغير بسرعة من حولنا

الدبلوماسية التركية تتحرك بسرعة خلال الأسابيع الماضية بين بغداد وطهران وموسكو، وتبعث برسائل من تحت الباب إلى دمشق. والروس يجولون في المنطقة، ويعيدون تقييفها على مقاساتهم. فيما تتوالى الإشارات الدالة على طمأنينة طهران لكل ما يجري حولها. هذه السرعة الهائلة في الحراك السياسي، وحتى في الاستدارات الاستراتيجية، لا شك أنها مدفوعة، في جانب منها، بالأحداث المتوقعة بقدوم رئاسة جديدة إلى واشنطن، ببرنامج سياسي جديد، وبقيم سياسية لم تألفها الإدارات الأميركية.
على شكل مفاجآت سريعة يتحرك الأتراك في أكثر من ملعب، بعد نهاية معركة حلب. الأسبوع الماضي استكملوا الاستدارة نحو بغداد وأربيل، بعد زمن من الخصومات السياسية. رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، ونظيره العراقي حيدر العبادي، يعلنان نهاية التدخل العسكري التركي في منطقة بعشيقة من دون تفاصيل، في سياق أجندة سياسية واقتصادية مقبلة. وثمة مفاجأة أخرى؛ بعد نهاية قصة الرئاسة وتشكيل الحكومة اللبنانية، تفتح بيروت خطوط الاتصال على طهران والرياض مباشرة. الرئيس اللبناني يبدأ أول جولة خارجية صوب السعودية وقطر هذا الأسبوع، في الوقت الذي انتهى فيه من استقبال وفد إيراني رفيع المستوى. والعروض الإيرانية تتوالى من جديد بشأن تسليح جيش لبنان وإعادة تأهيل اقتصاده.
هذه الحركة الواسعة التي يشهدها الإقليم من حولنا، تصب في نهاية الأمر في رسم خريطة جديدة حيال الصراع في سورية؛ فالجميع يأخذ بعين الاعتبار ثلاثة عوامل جديدة: الأول، التغير في ميزان القوى على الساحة السورية. والثاني، البرنامج الأميركي الجديد حيال الشرق الأوسط. والثالث، ازدياد حجم فاتورة الصراع على الأطراف كافة.
هناك إدراك دولي أن العام الماضي المنتهي للتو كان استمرارا للأعوام الخمسة الماضية، وأنه حان الانتقال من سنوات الفوضى والاقتتال إلى احتواء الفوضى. إذ سادت خلال تلك السنوات نزعة العسكرة والتدخل واستخدام القوة العسكرية وصفقات التسلح غير المسبوقة، في مقابل العوامل الجديدة، ومنها انحسار القوة القتالية للتنظيمات المتطرفة، وازدياد حدة انعكاسات انخفاض أسعار النفط بشكل غير مسبوق منذ عقود طويلة.
لا تمكن الأردن موارده السياسية والاستراتيجية للقفز في واجهة الأحداث المتسارعة من حولنا. ولكن هذا لا يعني الجلوس في مقعد المتفرج في انتظار أن تأتي لنا الأحداث، أو الاكتفاء بردود الأفعال. هناك مجموعة من المتغيرات التي تستدعي ضرورة الاستثمار السياسي فيما يحدث حولنا، والانتقال إلى دبلوماسية أكثر قدرة على المبادرة وصناعة الأحداث. المتغير الأول، أن حسابات مصادر التهديد حيال الأزمة السورية تتغير بسرعة، وتذهب إلى أن سنوات التهدئة على الحدود الشمالية لن تستمر. والثاني، الحاجة الماسة إلى تغيير خريطة الإدراك الرسمي للمصالح الاقتصادية، وتحديدا المعونات والتمويل بعد الخيبة التي منيت بها وعود العام الماضي. والمتغير الثالث، تزامن هذه التحولات مع رئاسة الأردن لمؤسسة القمة العربية، وقيادة ما يسمى "العمل العربي المشترك".
هذه المتغيرات تستدعي الانتقال من الدبلوماسية الإقليمية الوقائية التي اتصف بها السلوك السياسي الأردني خلال سنوات الأزمات الإقليمية، إلى دبلوماسية أكثر مبادرة وقدرة على الحركة والاستثمار في مرحلة الاحتواء وإطفاء الصراعات.