أسرار وخفايا الديسي
أسرار وخفايا الديسي
أحمد الربابعة
ااااااااه ..... الديسي ... وما أدراك ما الديسي ! ... فما خفي، وارتكب أيضا بحق حوض مياه الديسي الواقع في جنوبي الأردن، والمعلن عن اكتشافه منذ أكثر من نصف قرن، يكفل بتسمية الثورة الأردنية لو وقعت، بثورة الديسي ! فلو كان الديسي سحابة لأمطرت ! ... ولو كان الديسي ماء مالحا لربما أصبح عذبا فراتا ... بل لو كان الديسي مصيدة ندى ضخمة نصبت منذ تاريخ اكتشاف ذلك الحوض وحتى الآن لربما جلبت للأردنيين ماءا أكثر من ماء الديسي الذي لم تجلبه عشرات الحكومات المتعاقبة حتى الآن! لكن موضوع الديسي أفظع من ذلك بكثير !!
بطبيعة الحال، بدأت ومنذ عام 2006 اهتماما فعليا بموضوع مياه الديسي، فأخذت أقرأ ما كتب عن موضوع الديسي عبر الصحف وشبكة الانترنت، وطبعا اهتمامي هذا بحوض الديسي لم يكن من باب الترف الفكري، مثلما أنه لا يندرج تحت اختصاص لي أو مهنة؛ ولكن بالنسبة لأي أردني، فان التفكير بالماء وعيش هاجسه، يعتبر فرض عين على كل أردني وأردنية، في بلد يصنف واحدا من أفقر عشرة دول بالمياه في العالم ! وفي بلد شرب سكانه في تسعينيات القرن الماضي، ماء ملوثا طعما ولونا ورائحة ! وذلك بعد معاهدة السلام الأردنية الصهيونية، والتي وعدت الأردنيين بحصول بلدهم على حصته الوافية من مياهه في نهر الأردن، وليس مياه طبريا ألملوثه !
فإذا كان ذلك قبل سبعة عشر عاما تقريبا، عندما لم يكن تعداد سكان الأردن يتجاوز الأربعة ملايين نسمة، وعندما كانت العلاقات الأردنية الاسرائيليىة في أوج دفئها .... فكيف يمكن أن يكون حال الأردن المائي بعد التقدم بالزمن ؟ واستمرار تذبذب مياه الأمطار والاختلال البيئي ؟ وبلوغ تعداد سكان الأردن ما يزيد على ستة ملايين نسمة ؟ واستقطاب الاستثمارات والعقارات ؟ واستيعاب الهجرات ؟ وما يتردد عن منح الجنسية الأردنية لعشرات الآلاف ؟ وبرود العلاقة مع إسرائيل ؟
المعلومات والنتائج التي خلصت’ بها عن موضوع الديسي، كانت مفجعه بل مؤلمة، بدرجة لا تقل عن ألم الإنسان عندما يمر بحالة العطش، وبدرجة لا تقل عن ألم الأردنيين من إكراههم على قبول معاهدة السلام نفسها. بل وبمستوى أن أحداث متوقعة قادمة، سيكون الديسي سببا رئيسا فيها ! وبعض هذه النتائج والمعلومات عرفها الأردنيون، بينما يظل بعضها الأخر خفيا يحاك لهم بالخفاء ودون علمهم .
وإذا ما ذكرنا، ما ظهر وما بطن من موضوع الديسي؛ فأننا نتحدث هنا عن حوض مياه جوفي يقع جزئه الأكبر في الأراضي السعودية بنسبة ثلثين منه، بينما يظل ثلثه المتبقي في الأراضي الأردنية، وبينما نجحت الحكومات الأردنية في إفشال الاستفادة من مياه الديسي لحاجات في نفس يعقوب ! أخذت السعودية منذ ما يزيد على خمسة عشر عاما مضت البدء بسحب تلك المياه واستخدامها ! وهذا ما يعني تبدد شيء من الأمل الأردني بتحقيق كفاية مائية من ذاك الحوض تقدر بمائة عام تقريبا .
في الأيام الأخيرة الماضية، تم إحالة ملف الديسي إلى هيئة مكافحة الفساد، ويتزامن ذلك مع بدء أهالي منطقة الديسي والمناطق المجاورة له اعتصاماتهم الأسبوعية وشبه اليومية، بعد اكتشافهم تضمين ثلاثة ألاف دونم من أراضي الديسي لاستثمارات (صبيح المصري وابنته سيرين) بثمن بخس، يضاف إلى ذلك أربعة شركات لمتنفذين، عملوا على استثمار أراضي الديسي منذ عام 1986، بأثمان بخسه جدا (عشرة قروش للدونم الواحد) شاملا مياه الديسي النقية، لري مزروعاتهم المتمثلة بالبندورة والبطاطا وغيرها، بالرغم من أن الحكومة وهبتهم تلك الأراضي وهذا الماء النقي من أجل زراعة القمح والشعير، وحل مشكلة وطنية قومية، فقاموا بزراعة ما يجلب لهم الربح الوفير والأموال الطائله، ويرضي صندوق النقد الدولي ! ضارين بذلك ألاف المزارعين الصغار في الأردن، ومعرقلين لأي خطوة من شأنها تحقيق الحلم الأردني في الحصول على مياه الديسي، وليقوموا في الآونة الأخيرة بتأجير الدونم الواحد بـ(أربعمائة دينار مع مياهه) والامتناع عن دفع الملايين المستحقة عليهم للدولة منذ سنوات، والإبقاء على دفع (عشرة قروش للدونم الواحد مع مياهه) !!؟
ولم يقف ملف فساد حوض الديسي عند حد الشركات الأربعة، ومالكيها، وهم : أكرم أبو حمدان، وزيد العقباني، وعلى رأسهم طبعا (سفير الفساد الأردني) خالد شاهين ! بل شمل أيضا قضية دراسات جدوى حوض الديسي والمتورطين فيها أيضا من الشركات السابقة، والتي كلفت مبالغ خيالية، أثارت الدهشة والاستهجان لتلك الملايين التي قيل أنها أنفقت على دراسات جدوى حوض الديسي ! ومن الإجراءات المستغربة المتعلقة بهذا الشأن؛ حيث أنه لم يتم الاستعانة بنقابة المهندسين الأردنيين ولا بغيرهم من الأفراد والمؤسسات الوطنية الذين يملكون خبرات وكفاءات بهذا الشأن، وأبدوا استعدادهم لتقديم خبراتهم هذه، وخدمة وطنهم، ولكن أحدا لم يعرهم انتباه ! وفي عام 2006 نشرت الصحف الأردنية خبرا مفاده أن تكلفة ما أنفقته الحكومة على دراسات وأبحاث حوض الديسي حتى تلك اللحظة، هو خمسة ملاين دينار (طبعا هذا بحسب الإعلان الرسمي)، غير أن قضية فساد دراسات جدوى الديسي تتحدث عن أرقام أكبر من ذلك بكثير !
وهنا أيضا نجد أنفسنا مُلزمين بذكر قصة شخصية كنت مطلعا عليها في ذاك العام (2006)، حيث كنت أُجالس صديق لي، وهو مهندس أردني ومن المتهمين بحوض الديسي أيضا، لدرجة أنه كان يعد مشروعا لجر مياه ذلك الحوض بكفاءات أردنية وبتكلفة بسيطة جدا، ربما أقل من تكلفة دراسات الجدوى نفسها، ودون الحاجة إلى الشركات الأجنبية . وكان صديقنا المهندس يمتلك بيتين متجاورين في منطقة (الحُمّر)، يسكُن في أحدهما، بينما يقوم بتأجير الأخر، ولحسن الحظ والمفاجأة؛ أن الذي كان مستأجرا لبيته الأخر، هو أحد المهندسين الأجانب الذين جلبتهم الحكومة الأردنية في ذاك الوقت لعمل دراسات جدوى على حوض الديسي ! وبحكم اختصاصهما وتجاورهما جلسا لأكثر من مره، وتبادلا الحديث حول موضوع الديسي. وفي إحدى جلساتهما عن الديسي، كشف المهندس الأجنبي لمهندسنا الأردني عن سر دراسات الجدوى التي يقومون بها، حيث قال له بعد أن أغلق هاتفه الجوال وأخرج منه البطارية : سأقول لك سراً : "إن كل ما نقوم به من دراسات على حوض الديسي ليس له داعي ! فحوض الديسي واضح وما يلزمه هو نقل مياهه لا أكثر، وليس بحاجة إلى هذه الدراسات والأبحاث" !! إذاً هذا وبشهادة من قاموا بتلك الدراسات أنفسهم !!
من ناحية اخرى يرى بعض المطلعين على مياه الديسي أنه يمكن استغلال مياهه العذبة النقية كمشروع (مياه صحه) يجري تعليبها وبيعها، وبما يحقق (2 مليار دينار) إذا تم تعبئة (10 مليون متر مكعب سنويا) فقط . ومع ذلك لم تقم أي حكومة بتنفيذ مثل هذا المشروع البسيط ذو المردود العالي للأردن . وأبقت على مياه الصحة لشركات أجنبية مثل (كوكا كولا) و(نستله)، التي تهيمن على قرارات صندوق النقد الدولي لتبقي على أرباحها، وعلى الأجندات السياسية للدول التي تتبع لها .
وهنا أيضا لابد من التنويه إلى مسألة مهمة جدا؛ وهي أن هناك خلطا بين مسميين متشابهين ومختلفين في المعنى والواقع، الأول حوض الديسي : وهو حوض مائي محصور بمنطقة جنوب الأردن، والذي نحن بصدده الآن . والثاني طبقة الديسي : والتي هي طبقة رملية جيولوجية مختلفة عن الحوض السابق، وتقع تحت كافة الأراضي الأردنية تقريبا؛ وهناك تزييف ممنهج يقوم به الكيان الصهيوني لإشاعة أن حوض الديسي مشترك بين الأردن وإسرائيل؛ وذلك من أجل تقبل الرأي العام الأردني لمشروع مائي مشترك بين الأردن والكيان الصهيوني، تُعد له إسرائيل منذ زمن بعيد، عبر ما يعرف بمشروع (قناة البحرين) .
لهذا السبب نكتشف الآن حقيقة البحث الذي نشره رئيس جامعة البلقاء التطبيقية آنذاك (عمر الريماوي) بالتعاون مع علماء إسرائيليين وأمريكان، والذي ينبه إلى أن نسب إشعاعات من اليورانيوم موجودة في بعض أبار حوض الديسي، ويمكن أن تسبب السرطانات للموطنين الأردنيين ! وهذا ما تم دحضه من قبل نقابة الجيولوجيين الأردنيين، التي أفادت بأن إشعاعات اليورانيوم هذه يتم التخلص منها تلقائيا بمجرد خروج المياه إلى سطح الأرض وملامستها للهواء . ولكم نتمنى من الدكتور الريماوي أن يُظهر لأصدقائه الإسرائيليين الأبحاث التي أجريت، وأظهرت مدى خطورة وفظاعة ما يتعرض له المواطنين الأردنيين من إشعاعات مفاعل ديمونه الإسرائيلي، بدل الحديث عن يورانيوم حوض الديسي .
وربما لنا أن نفهم أيضا سر كثير مما حدث في موضوع الديسي، وما زال يحدث، ولماذا يجري تعطيله، وأن نكتشف المجرمين الذين نهبوا الديسي، وقطعوا على الشعب الأردني حلم شرب مياهه، وأنهم لم يكونوا فقط مجرد فاسدين ولصوص للديسي، بل كانوا أيضا عملاء لإسرائيل وصندوق النقد الدولي الذي تتحكم بقراراته . ولنا أن نعرف أيضا أن قلة قليلة تحاول الترويج لملف الديسي على أن مشكلته تتمثل بزراعة البندورة والبطاطا بدل زراعة القمح؛ ليخفوا حقيقة أن إسرائيل لها اليد الطولى في القضية، وهم كذلك كالمجرم الذي يعترف أمام المحقق بتهمة صغيرة، ليطمئن المحقق إلى صدقه، في حين أنه يخفي جرائم كبرى ارتكبها .
Ebnalss7raa@hotmail.com