«داعش» أم «دعشنة»

أخبار البلد - ليس مستبعداً أن يكون "داعش” قد وصل إلى فلسطين، فقد طاولت أذرع التنظيم وخلاياه النائمة، و”ذئابه المستوحدة”، كافة أمكان الانتشار الإسلامي، وفلسطين بهذا المعنى، جزء من كل، وليست خروجاً عن المألوف ... وليس بالضرورة، أن يكون الحضور "الداعش” في بعض المدن أو البلدات الفلسطيني، منظم ومؤطر، فقد يأخذ شكل فردياً أو خليوياً، وقد يكون مرتبطاً بالتنظيم الأم، وقد يكون متأثراً بأفكاره وتجربته، عن بعد ... مرة أخرى، هذه هي القاعدة عموماً، وفلسطين ليست استثناءً.

ولقد سجلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية، وقائع إلقاء قبض أو تحقيق مع عناصر – قليلة حتى الان – بتهمة الانتماء إلى التنظيم الإرهابي، أو التعبئة والتجنيد له، وثمة أعداد من الفلسطينيين "المجاهدين” في صفوف "داعش” و”النصرة” في كل من سوريا والعراق... كما أن قطاع غزة، يشهد على وجود "سلفية جهادية”، تتعايش مع حماس وتتصارع معها، وبعضها له ارتباطات وامتدادات نحو "ولاية سيناء” التي عقدت البيعة لـ "الخليفة” في الرقة ... وهذه معلومات معروفة ومنشورة على أية حال، وليس من حاجة– ولا مصلحة - في إنكارها أو تكذيبها.

لكن المعروف كذلك، أن "السلفية الجهادية” بأجنحتها ومدارسها المختلفة، لم "تتوطن” في فلسطين حتى الآن، وفكرة "الجهاد العالمي” لم تجد ما يكفي من الرواج لها في أوساط الفلسطينيين، فهؤلاء أصحاب قضية، وطنهم تحت الاحتلال والحصار، وأرضهم وحقوقهم ومقدساتهم تبتلعها على نحو منهجي منظم، سلطة الاحتلال، ولديهم ما يكفيهم من تحديات جسام، من دون أن يعني ذلك للحظة واحدة، عدم وجود فلسطينيين التحقوا فعلاً بركب "الجهاد العالمي” وكانوا قادة ومؤسسين ومنظرين له في غير ساحة وعلى أكثر من صعيد.

عملية الدهس في القدس، لم يتبناها أي فصيل فلسطيني حتى الآن، مع أن معظم الفصائل رحبت بها وأشادت ببطولة منفذها، الأسير السابق فادي القنبر من حي المكبر في القدس الشرقية ... فيما أصابع الاتهام الإسرائيلية صوبت بعيد وقوع العملية، وقبل رفع الأشلاء والأنقاض، إلى "صلة ما” للمنفذ بـ "داعش”، وأقامت تماثلاً بين أسلوب تنفيذ العملية في القدس، وعمليتي الدهس في نيس وبرلين التي نفذها إرهابيو "داعش” ... وسعى الإعلام من بعد القادة السياسيين في إسرائيل إلى إدراج هذه العملية، في سياق موجة الإرهاب العالمي التي تضرب في كل مكان تقريباً، وليس في سياق العمليات التي شهدتها مدينة القدس، بالذات بعد اقتحام وزير الزارعة الإسرائيلي أوري أرئيل المسجد الأقصى وإحراق عائلة الدوابشة، ومسلسل الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات، والتي أودت بحياة أكثر من 300 فلسطيني وأزيد من 30 إسرائيلياً حتى الآن.

إن صحت الاتهامات الإسرائيلية بأن العملية تندرج في سياق المسلسل الدامي لعمليات "داعش” فإن الفلسطينيين يكونون تسرعوا تماماً في الاحتفال بالعملية والاحتفاء بمنفذها ... أخطر ما يمكن أن يرتكبه الفلسطينيون من أخطاء، هو "عدم التمييز” بين كفاحهم العادل والمشروع، وقضيتهم الإنسانية النبيلة من جهة، ومسلسل الجرائم الإرهابية التي ينفذها "داعش” ومن والاه وبايعه من جماعات إرهابية، خبط عشواء، من جهة ثانية ... إن فعلوا ذلك، يكونوا أعادوا سلسلة الارتكابات التي قارفتها المعارضات السورية والكيانات السنية العراقية عندما استمرأت "الخلط” بين نضالها العادل ومطالبها المحقة من جهة وأجندة "داعش” الأممية من جهة ثانية، وظنت، ولبؤس ما ظنت، أنه سيمكنها توظيف هذا التنظيمات الإرهابية لتحقيق أغراض السياسية.

نظرية "الاستعانة بالشيطان” أو بـ "القرود” كما استمعنا لبعض التعليقات الساذجة لإلحاق الأذى بالاحتلال والاستيطان، نظرية قاصرة ومدمرة لأهلها وأصحابها والمراهنين عليها ... القضية العادلة – وليس ثمة أعدل من القضية الفلسطينية – بحاجة لوسائل مشروعة وكيانات مناضلة ومحترمة للنضال في سبيلها، وليس لثلة من القتلة والمجرمين الذين عاثوا في الأرض قتلاً وفساداً وتدميراً.

نقول ذلك، ونحن لسنا متأكدين من صحة الرواية الإسرائيلية، ولدينا دائماً ما يدفعنا للتشكيك بصحة الروايات الإسرائيلية، لكننا نتحدث من باب الفرضيات والاحتمالات والسيناريوهات، ونقولها بحزم والفم الملآن، دون خشية من مزايدة أو ابتزاز، حتى لا يخطئ احدٌ التقدير والتصرف.

ولا نستبعد أن تكون رواية نتنياهو ورهط المسؤولين والإعلاميين الإسرائيليين لما جرى في القدس، محاولة يائسة لـ "دعشنة” العمل الوطني الفلسطيني، وإظهار إسرائيل بمظهر "الضحية” للإرهاب، مع أنها وحدها من بين سائر دول العالم، من استحق بجدارة وصمة "إرهاب الدولة المنظم”، ومع أن دعمها لجماعات إرهابية في جنوب سوريا وعلى حدود جبهة الجولان المحتل، خصوصاً، لم تعد خافية على أحد، وهي موثقة في بعض تقارير الرقابة الأممية على خط وقف النار بين سوريا وإسرائيل.

إسرائيل، ومنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، سعت لإدراج النضال الوطني الفلسطيني العادل والمشروع بموجب كافة القوانين والأعراف والشرائع الدولي، في سياق الإرهاب الدولي، ومحاولات أريئيل شارون إقامة التماثل بين عمليات الفصائل الفلسطينية وعمليات القاعدة في حينها، لم تلق قبولاً حتى من قبل أقرب أصدقاء إسرائيل وحلفائها، وهي ربما تسعى اليوم، ومع تزايد خطر التهديد الإرهابي عالمياً، لمعاودة الكرة من جديد ... الأمر الذي يملي رفع منسوب اليقظة الفلسطينية، فلا يجوز لإسرائيل أن تنجح في مسعاها هذا، ولا يجوز لأحد من الفلسطينيين أن يساعدها على ذلك، عن قصد أو بسذاجة، فتلكم – إن حصلت  لا سمح الله ولا قدّر- ستكون أكبر ضربة يتلقاها كفاح شعب فلسطين من أجل الحرية والاستقلال.