نظرة على الأمن !

أخبار البلد - د. يعقوب ناصر الدين

هل نحن بحاجة إلى إعادة تعريف مفهوم الأمن في ضوء الفوضى الأمنية التي تجتاح المنطقة والعالم؟ ربما نعم على مستوى الوعي الوطني، ولكن على مستوى الجيش والأجهزة الأمنية فمن المؤكد أن تقييم حالة الأمن الوطني والإقليمي والدولي هو جزء من استراتيجية الدفاع عن الوطن، التي تأخذ في الاعتبار جميع العوامل التي يمكن أن تشكل نوعا من التهديد.

أعيد التذكير بالتصريحات التي أدلى بها رئيس هيئة الأركان المشتركة الفريق محمود فريحات وكيف قدم شرحا لحالة الاشتباك في العراق وسوريا، وسير العمليات العسكرية في مواجهة المنظمات الإرهابية، وميادين القتال، كل ذلك من أجل قراءة الاحتمالات على الحدود المشتركة، وذلك يعني أن التهديد الحقيقي للأمن الوطني هو التهديد الإقليمي، الذي يمتد بطبيعته المعروفة إلى جماعات تؤمن بالفكر الداعشي، وتشكل خطرا داخليا على نطاق واسع، أي في جميع الدول، ومنها الأردن !

على المستوى الشعبي يدرك الأردنيون الكوارث المحيطة ببلدهم، وقد أظهروا في مناسبات عديدة مساندتهم القوية لقواتهم المسلحة وأجهزتهم الأمنية واستعدادهم للانخراط الفوري في التصدي للأعمال الإرهابية ، بل إن ما جرى في الآونة الأخيرة من مواجهات مع الإرهابيين قد دل الحس الأمني الذي يتميز به الأردنيون نتيجة وعيهم بحقيقة وأسباب وأهداف ما يحدث في عدد من الدول العربية، وأقربها إلينا هي العراق وسوريا، ومصر ولبنان.

لكننا اليوم أمام مرحلة صعبة ومعقدة ، تدعونا إلى التفكير في المعنى الأعمق للأمن وربما بالطريقة التي عرفها « روبرت مكنمارا « عندما كان رئيسا للبنك الدولي بعد أن كان وزيرا للدفاع الأمريكي حيث قال « إن الأمن ليس هو تجميع السلاح بالرغم من أن ذلك جزء منه، وليس القوة العسكرية، والنشاط العسكري التقليدي رغم أنه يحتوي عليها، إنما الأمن هو التنمية، ومن دونها فلا مكان للأمن!

ولعل مكنمارا قد لخص بذلك مفهوم الأمن الشامل الذي يضم كذلك الأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، وإليه يستند الأمن الفردي الذي هو نقيض الخوف، وفي وضع كالوضع الراهن على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية فالأخطار باتت تترصد الناس أينما ذهبوا سواء إلى مطعم أو احتفال أو مطار أو سكة حديد، إنه في الحقيقة موجود في كل مكان، وأكثر من أي وقت مضى !

والآن نحن في الأردن نمر في مرحلة دقيقة للغاية، والتهديدات من حولنا مفتوحة على احتمالات كثيرة ، خاصة وأن التحالفات وموازين القوى قد تغيرت، وازدادت فوضوية العالم، وتفاقمت نوازع التعصب والتطرف والجرائم المنظمة وغير المنظمة الأمر الذي يفرض علينا نوعا مناسبا من الوعي الأمني الشامل، الذي يتعلق جانب منه بالحس الأمني، أما الجوانب الأخرى فتتعلق بالعمل والإنتاج والمواطنة الصالحة، ووضع حد لجلد الذات والاتهام على غير وجه حق، واغتيال الشخصية والنميمة وغيرها مما يندرج في البعد الأخلاقي.

نحن اليوم في حالة دفاع عن النفس، والدفاع لا يعني انتظار العدو ثم مواجهته، بل التحضير والاستعداد لرد الاعتداء، والأهم من ذلك مواصلة التأكيد على أن المجتمع الأردني لا ولن يشكل حاضنة للإرهاب، وأنه يواصل مسيرته، يصلح الأخطاء، ويزيل العراقيل، ويبني قلعة الصمود في وجه المخاطر والتحديات، وذلك ليس ببعيد علينا، أو صعب المنال !